للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}.
ما يقطع التتابع:
التتابع في صوم هذه الكفارة قدر متفق عليه بين العلماء، والاختلاف بينهم إنما هو فيما يقطع التتابع، وقد بينا ذلك في كفارة القتل، وأوضحنا مذاهب الفقهاء فيه فلا نعيده.
غير أن التتابع في صوم كفارة الظهار له حكم يختص به وهو أنه: هل يقطع بوطء المظاهر منها ليلاً أو لا ينقطع خلاف بين الفقهاء.
فذهبت الشافعية، وأبو يوسف من الحنفية، وابن حزم من الظاهرية إلى أن الوطء ليلاً مطلقاً عمداً، أو نسيانًا لا يقطع التتابع، كما أن الوطء نهاراً نسيانًا لا يقطعه، وحجتهم في ذلك أن وطء المظاهر منها ليلاً مطلقاً لا يفسد الصوم، فلا يكون قاطعاً للتتابع، كما لو وطئ غير المظاهر منها ليلاً أو نهاراً ناسيًا.
وذهب الإِمام أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن، والإمام مالك، والأمام أحمد في مشهور مذهبه إلى أن ذلك يقطعه، ويوجب على المكفر أن يَسْتَأْنِفَ صوم الشهرين من جديد.
ووجهتهم في ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وهي تدل على أن يكون الصوم قبل التماس، وهذا يقضي بوجوب خلده عنه، والوطء ليلاً أو نهاراً مُنِافٍ لهذا الشرط، وموجب لانعدامه، فينعدم المشروط لانعدام شرطه، وذلك موجب لاستئناف الصوم من جديد، ولا معنى لانقطاع التتابع إلا هذا.
وبالنظر في جهة كل نجد أنَّ الرأي الراجح هو رأي من يقول بأن الوطء ليلاً يقطع التتابع؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- قد جعل الظهار مُنْكَرًا من القول وزورًا، والمظاهر قد تجرأ بالأقدام على فعل بيَّن الله له حرمته، والكفارة إنما قصد بها زجر المظاهر وردعه، حتى لا يعود إلى فعل هذا المنكر، فالتشديد عليه مما يحقق مقصود الشارع من شرع الكفارة، وأما قياس وطء المظاهر منها على غيرها فقياس في مقابل النص, فيكون فاسد الاعتبار.
إطعام ستين مسكيناً:
النوع الثالث من أنواع الكفارة الظهار: إطعام ستين مسكيناً، ولا ينتقل المظاهر إلى هذا النوع إلا بعد عجزه عن صيام شهرين متتابعين لِقَولِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} والناظر في الآية الكريمة يجد أن الله -تعالى- ذكر بجانب تحرير الرقبة، والصيام للشهرين قوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} ولم يذكر ذلك بجانب إطعام الستين مسكيناً، فهل ذلك؛ لأن إطعام الستين مسكيناً لا يشترط فيه أن يقع قبل التماس، أم ذلك؛ لأنه سبحانه -وتعالى- اكتفى بذكره في النوعين الأولين عن ذكره في النوع الثالث، فيكون عدم التماس شرطاً في الجميع؟
ولما كان كل من الاحتمالين قائماً اختلف العلماء في أن عدم الوطء شرط في الإطعام، كما هو شرط في النوعين السابقين، أو ليس شرطاً فيه.
ذهب الجمهور من العلماء، ومنهم أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد إلى عدم اشتراط التماس في الإطعام، وهو قول ابن الماجشون من المالكية، فلو وطئ أثناء الإطعام من ظاهر منها لم يستأنف الإطعام.
ووجهتهم في ذلك أن الله -تعالى- إنما شرط عدم التماس في العتق والصيام، ولم يشرطه في =

<<  <  ج: ص:  >  >>