وذهبت المالكية والظاهرية إلى عدم اشتراط ذلك فأوجبوها على السيد بظهاره من أمته وهو رأي سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والزهري والثوري، وقتادة. استدل أصحاب الرأي الأول بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ...} الآية. ووجه الدلالة من هذه الآية أن الله تعالى أضاف النساء إلى المظاهرين وهي ظاهرة في الأزواج فاختص الظهار بهم دون غيرهم. يقوى ذلك أن الظهار في الإسلام جاء ناسخًا لما كانت عليه الجاهلية من اعتباره طلاقًا مؤبدًا، وهم إنما كانوا يعرفون الظهار في الزوجات دون الارقاء فوجب بقاء المحل كما كان في الجاهلية والنسخ يرجع إلى الحكم لا إلى المحل. واستدل أصحاب الرأي الثاني بالآية نفسها قائلين إن الله تعالى أضاف النساء إلى المظاهرين، ولفظ النساء عام يتناول الزوجات والاماء والعام يبقى على عمومه حتى يأتي ما يخصصه. ولم يوجد المخصص. فكان الظهار معتبرًا في الأرقاء كالزوجات ونحن إذا نظرنا إلى أن السيد بظهاره من أمته الموطوءة له قد تجرأ على الله فحرم ما جعله حلالاً له وأن الأمة لا فرق بينها وبين الزوجة إلا من جهة أن الزوجة حل وطؤها بعقد النكاح وتلك حل وطؤها بملك اليمين، وأن ذلك لا يعتبر فارقًا مؤثرًا في أن القول يعمل عمله في الزوجة دون الأمة. إذا نظرنا في كل ذلك كان القول باعتبار الظهار من السيد في أمته موجبًا للكفارة أرجح من مقابله ليكون الأدب من الله عاماً لجميع المكلفين من غير فرق كون المشبه بها في الظهار خصوص الأم: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن خصوص الأم ليس شرطاً في إيجاب الكفارة غير أن بعضهم يقول يكفي في تحقق الظهار كون المشبه بها مؤبدة التحريم على المظاهر كالشافعية والحنفية والمالكية. والبعض الآخر يقول يكفي في تحققه كون المشبه به مما يحرم على المظاهر الاستمتاع به, ولو لم تكن الحرمة مؤبدة، يستوي في ذلك المذكور والإناث كالحنابلة. وذهبت الظاهرية إلى اشتراط كون المشبه بها في الظهار خصوص الأم. فلا ينعقد الظهار عندهم بتشبيه الزوجة بالأخت أو العمة أو الخالة مثلاً، ولا تجب الكفارة بذلك. استدل الجمهور بأن غير الأم من كل مؤبدة التحريم كالأم في تأبيد الحرمة، فيجب اعتبار التشبيه به كالأم، والقياس حجة شرعية قام الدليل على اعتبارها فلا عبرة بإنكار الظاهرية لها لأن ذلك منهم مكابرة. واستدل الظاهرية بقوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ}. ووجه الدلالة من الآيتين أن الله تعالى إنما تعرض لذكر الأم ولم يتعرض لغيرها فكان ذلك دليلاً على أن خصوص الأم هي المعتبرة في الظهار ولا يصح قياس غيرها عليها وإن القياس لا ينتج إلا ظناً، والظن منهي عن اتباعه فهو غير معتبر في الأحكام. وبالنظر في وجهة كل نجد أن رأي الجمهور هو الراجح لقوة مدركة، وكون المولى سبحانه =