للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لُغَتَه، فلا بُدَّ ممَّن يترجم له؛ ليعتقه عن الكفارة (١)، ويصحّ إسلام الأخرس بالإشارة المفهمة، كما تصح عقوده بالإشارة، وفيه وجه: أنه إنما يُحْكم بإسلامه إذا صلَّى بعد الإشارة، [لأن الإشارة] (٢) غير مصرِّحة بالغرض، فيؤكَّد بالصلاة، وهذا ظاهر النصَّ المحكيِّ عن "الأم "، والمَذْهَب الأول، ومنهم من حَمَل اشتراط الصَّلاة على ما إذا لم تَكُن الإشارة مفْهِمَةً، ويدل على (٣) الاكتفاء بالإشارة ما رُوِيَ أن رجُلاً جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومَعَهُ جاريةٌ أعجميةٌ أو خرساءُ، فقال: يا رسول الله، عليَّ عتْق رقبة، فهل يجزئ عني هذه؟ فقال لَهَا النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أيْنَ اللهُ؟ فَأشَارَتْ إلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: مَنْ أَنَا، فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ أنَّهُ رَسُولُ اللهِ (٤) -صلى الله عليه وسلم- فقال لَهُ: أَعْتِقْهَا؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ" قال


(١) قال النووي: إسلامه بالعجمية صحيح، إن لم يحسن العربية قطعًا، وكذا إن أحسنها على الصحيح. والوجه بالمنع مشهور في صفة الصلاة من "التتمة" وغيره، ويكفي السيد في معرفة لغة العبد قول ثقة؛ لأنه خبر كما يكفي في معرفة قول المفتي والمستفتي والله أعلم.
وقال في البحر: إن كان المعتق لا يحسن العجمية فلا بد من شاهدين عدلين يشهدان بأنه وصف الإيمان؛ لأن الترجمة لا تقبل إلا من شاهدين عدلين. انتهى وينبغي تخصيصه بالحاكم.
(٢) سقط في ز.
(٣) في أ: عليه.
(٤) أخرجه مالك في الموطإ من حديث معاوية بن الحكم، وأكثر الرواة عن مالك يقولون عمر بن الحكم، وهو من أوهام مالك في اسمه، قال: أتيت رسول الله فقلت: إن جارية لي كانت ترعى لي غنمًا، فجئتها وقد أكل الذئب منها شاة، فلطمت وجهها، وعلى رقبة، أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله: أين الله؟ قالت في السماء قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: فأعتقها، وروى أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الله عن رجل من الأنصار أنه جاء بامة له سوداء، فقال: يا رسول الله إن علي عتق رقبة مؤمنة، فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقها؟ فقال لها: أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت: نعم، قال: أتشهدين أني رسول الله؟ قالت: نعم، قال: أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟ قالت: نعم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فأعتقها وهذه الرواية تدل على استحباب امتحان الكافر عند إسلامه بالإقرار بالبعث كما قال الشَّافعي ورواه أبو داود من حديث عون بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة: أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- بجارية سوداء؛ فقال: يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة، فقال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء بإصبعها، فقال لها: فمن أنا؟ فأشارت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وإلى السماء -يعني أنت رسول الله- فقال: أعتقها فإنها مؤمنة، ورواه الحاكم في المستدرك من حديث عون بن عبد الله بن عتبة حدثني أبي عن جدي فذكره، وفي اللفظ مخالفة كثيرة. وسياق أبي داود أقرب إلى ما ذكره المصنف، إلا أنه ليس في شيء من طرقه أنها خرساء، وفي كتاب السنة لأبي أحمد العسال من طريق أسامة بن زيد؛ عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قال: جاء حاطب إلى رسول الله بجارية له، فقال: يا رسول الله إن علي رقبة فهل يجزي هذه عني، قال: أين ربك، فأشارت إلى السماء، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة، وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان من حديث الشريد بن سويد قال: قلت: يا رسول الله إن أمي أوصت أن يعتق عنها رقبة، وعندي جارية سوداء، قال: ادع بها -الحديث- وفي الطبراني الأوسط من طريق ابن أبي ليلى عن المنهال والحكم عن سعيد عن ابن عباس: أن رجلاً أتى النبي =

<<  <  ج: ص:  >  >>