للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتابة والعبد المُوصَى بمنفعته، وقد ذكَرْنا في الوصية أن أصحَّ (١) الوجهين أنَّه لا يجوز أن يُعْتِقه الوارِثُ عن كفَّارته، وهو الذي أوْرَدَه صاحبُ "التَّتمَّة" وذكر أنه لو أعْتَقَ عن كفارته العَبْد المستأجر، فإن قلْنا: إنه يرجع على السيد بأجرة ومنافعه، فيجزئه، وإن قلْنا: لا يرجع، فلا يجزئه؛ لنقصان العِتْق بما سُلِّمَ له من عوض منفعته (٢) بعْد العتق.

ويجزئ إعتاق المُدبر عن الكفَّارة، وكذا إعتاق العبد المُعَلَّق عتقه بصفة كمضي مدة وغيره، ولو أراد بعْد التعليق أن يَجْعَل العتْق المعلَّق عند حصوله عن الكفَّارة، لم يجزئه، وذلك مثْل أن يقول: إنْ دخلْتَ الدَّارَ، فأنْتَ حُرٌّ، ثم قال بعد ذلك: إن دخلْتَهَا، فأنتَ حُرٌّ عن كفارتي، فيُعْتَق عند الدخول، ولا يجزئ عن الكفَّارة؛ لأنه صار مستحقًّا بالتعليق الأول. ولو أعتق جاريةً حاملاً عن الكفَّارة أجزأه وعَتَق العمل تبعاً، ولو استثنى الحَمْلَ، لم يصح الاستثناء، وحصل العِتْق، كَمَا لَوِ استثنى عُضْوًا من العبد، وهل يُجْزئ، والصورةُ هذه، إعتاقُها عن الكَفَّارة؟ قال في "التتمة": المشهور في المذهب الإجزاء، وإذا لم يُمْنَع الاستثناءُ بعَوْد العتق، لم يُمْنَع سقوط الفرض، وفيه قول آخر: أنه لا يجزِئُه؛ لأنَّ الإجزاء عن الكَفَّارة غير مبنيٍّ على التغْلِيب، فالاستثناء يبطله، كما يُبْطل البَيْع والهبة، وإنما لم يتأَثَّر العِتْق به؛ لأنه مبنيٌّ على التغليب.

المسألة الثانية: لو كان يملك نصْف عبْدٍ، فأعتقه عن الكفَّارة، وهو معسر ثم مَلَك الباقي، فأعتقه عن تلْك الكفَّارة، أجزأه، وإن وَقَع العِتْق في دفعتين، كما لو أطعم في أوقات مختلفة، ولو لم يَنْو الكفَّارة عند إعتاق الباقي، لم يجزئه، ولم تبرأ ذمته عن الكفَّارة، وفيه وجْه حكاه الفوراني؛ إلحاقاً بما إذا فَرَّق الوضوء، وجوَّزناه، فإنه لا يَجِبُ تجديد النية، ولو ملك نصفًا من عبْد، ونصفًا من آخر فاعتق النصفين عن الكفَّارة، وهو مُعْسِر، فهل يجزئه؟ فيه ثلاثة أوجه:


(١) إطلاقه يقتضي أنه لا فرق بين المنفعة المؤبدة وغيرها، وينبغي فيما إذا لم تكن مؤبدة، وقد بقي من المدة زمن يسير كيوم ونحوه أن يجزي وكلام الرافعي يشير إلى التصوير بالمؤبدة فإنه قال: وقد ذكرنا في الوصية أن الأصح أنه لا يجوز أن يعتقه الوارث عن كفارته وهو إنما حكى الوجهين هناك في المؤبدة فقال: الوارث يملك إعتاق العبد الموصى بمنفعته لأن رقبته خالصة له، وأشار صاحب "الرقم" إلى خلاف فيه، وحكى الإمام وجهين في جواز إعتاقه عن الكفَّارة وأصحهما المنع لأنه عاجز عن الكسب بنفسه فأشبه الزمن. انتهى. فعلم أن الوجهين في المؤبدة أن الموصى بمنفعة مدة للوارث إعتاقه عن الكفَّارة قطعًا وبه صرح في الوسيط.
(٢) تابع فيه المتولي ويشبه أنه إذا بقي من الإجارة بعض يوم ونحوه أن يجزي وإن قلنا لا يرجع، وهذا كله على جواز بيعه، فإن قلنا يمتنع امتنع قطعاً، وقد علل في التتمة بأن المؤجر أخذه عوضاً عن منفعة موجودة بعد العتق، وقضيته أنه لو أعتق المشتري من الموصي أو مات المؤجر وانتقل الملك في المدة للوارث أن يجوز قطعاً لأنه لم يأخذ عوض منفعته لما بعد العتق.

<<  <  ج: ص:  >  >>