للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالاحتمال، والبلوغ لا يكْفِي فيه الاحتمال، لكن لو قال: أنا بالغ بالاحتلام، فله اللِّعَان، ولو قال: أنا صَبِيٌّ، لم يصِحَّ لعانه، فإن قال بَعْد ذلك: أنا بالغٌ، وأراد النفْيَ قُبل قوله، ومُكِّن من اللعان، فإن البلوغ لا يُعْرَف إلا منه، وربما حَدَث سببه، قال الإِمام: في كلام الأصْحَابِ ما يَدُلُّ على أنه لا يُقْبَل قوله "أنا بالغ" بعد ما قال: أنا صبيٌّ؛ للتهمة، ويقْرُب من هذا ما أورده صاحب "التتمة": وهو أنه إن لم يَتَّهِمْه الحاكم، حَكَم ببلوغه، ومَكَّنَه من اللعان، وإن اتُّهِم، ترك الأمر موقوفاً إلى أن يُتحقَّق بلوغه.

الثانية: مَنْ لم يَسْلَمْ ذَكَرُهُ وأنثياه، فإما أن يفقدهما جميعاً أو يَفْقِدَ الذَّكَر، دون الأنثيين، أو بالعَكْس.

الحالة الأولَى: إذا كان ممسوحاً فقد الذكر والأنثيين، فظاهر المَذْهب أنه لا يلْحَقُه الوَلَدُ، ولا يحتاج إلى اللِّعَان؛ لأنه لا يُنْزِل، ولم تَجْرِ العادة بأن يُخْلَق لمثله وَلَدٌ، وفيه قول يُحْكَى عن الإصطخريِّ: أنه يلْحَقُه؛ لأن مَعْدِن الماء الصُّلْب، وأنه ينفذ في ثقبه إلى الظَّاهِر، وهما باقيان، وذُكِرَ أن الصيدلانيَّ والقاضي الحُسَيْن أخذا بهذا الجَوَاب.

الثانية: إذا كان مجْبُوب الذَّكَر باقِيَ الأنثيين، فأتَتْ زوجته بولَد، لحقه لبقاء أوْعِيَة المنيِّ، وما فيها من القُوَّة المحيلة للدَّمِ، والذَّكَرُ آلةٌ توصِّلُ الماءَ إلى الرَّحِم بواسطةِ الإيلاج، وقد يُفْرَض وصول الماء بغَيْر إيلاج.

الثالثة: الخَصِيُّ الباقي الذَّكَر، هل يلحقه الولَدُ؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا؛ لأن الوَلَد من المَاءِ، والخصيُّ لا ماء له.

وأظهرهما: نَعَمْ، لأن آلة الجِمَاعِ باقيةٌ، وقدْ يبالغ في الإيلاج، فيَلِد، وينزل ماء رقيقاً، وإدارة الحُكْم على الوطء، وهو السبب الظاهر، أولى من إدارته على الإنْزال الخفيِّ، وعن الفورانيِّ: أنه يراجع أهْل الخبرة، فإن قالوا: إنه لا يُولَدُ له، لم يلْحَقْه الولد، وإلا، لَحِقَه. واعلم أنه نَصَّ في "المختصر" على أنه إذا كان الزَّوْج مجبوباً، يلحقه الولد إلا أن يَنْفِيَه باللَّعَان.

وفي رواية الربيع: أنه يُنْفَى عنه بلا لعان، واخْتَلَفوا في حال النَّصَّيْن، وفي المراد من المجبوب، فعن أبي إسحاق: حَمْل ما في "المختصر" على ما إذا كان مجبوب الذَّكَرِ باقي الأنثيين، وحَمل ما ذكره الربيع على الممسوح، وعن القاضي أبي حامدٍ: أن في الذكر ثقبتين: إحداهما: للمنيِّ، والأخرى: للبَوْل، فإن انسدَّت التي هي للمنيِّ، لم يُلْحَقِ الوَلَد، وهو المراد من رواية الرَّبيع، وإن لم تَنسَدَّ، لحق، وهو المراد ممَّا في "المختصر".

وقيل: إن بعْض الرواة صحَّف، لفْظَ الشافعيِّ -رضي الله عنه- إذا كان الزَّوْج مجنوناً، يلحقه الولد، ولا يُنْظَر إلى أنه لو كان عاقلاً، كأن يقبله أو ينفيه، فإن لاعن

<<  <  ج: ص:  >  >>