للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسه، وإن سكت، فلَحِقه لم يلزمْه الحدُّ؛ لأن اللحوق حُكْم الشَّرْع، ولم يأت هو بما يناقض قوله الأول ولو قذفها ثم لاعن (١) عنها في البينونة، وأتت بولد آخر لأقلَّ من ستة أشْهُرٍ، فسواء اسْتَلْحق الثانِيَ صريحاً أو سكَتَ عَنْ نفْيِه، فلحقاه، يلزمه الحَدُّ والفرْقُ أن اللِّعَان بعْد البينونة لا يكون إلا لنَفْي النَّسَب، فإذا لحق النَّسب، لم يبق لِلَّعان حُكْم، فحُدَّ، وفي صلْب النكاح له أحكام وفوائد أُخَر، وتلك الأحكام لا ترتفع بلحوق النَّسَب، فلذلك لا يلزمه الحدُّ، حُكِيَ هذا عن القَفَّال واستحسنه القاضي الرُّويانيُّ، وقال: لم أره لغيره، وقد يقال: اللعان، وإن كان بعد البينونة يُؤَثِّر في تأبيد التحريم على أظْهَر الوجهَيْن، كما تَقدَّم، والتأبُّد لا يرتفع بلحوق النَّسب، فجاز أن يبقى أثر اللعان في سُقُوط الحدِّ أيضاً.

الثانية: إذا كان بينهما ستة أشهُر فصاعداً، فالثاني حَمْل آخر؛ لأن هَذه المدَّة مدَّة الحَمْل، فلو أمكن وقُوعُها بيْن ولدين مِنْ حَمْلِ واحدةٍ؛ لخرجَت عن أن تكون كلَّ مدة الحمل، ثم يُنْظر؛ إن نَفَى الثانِيَ باللعان، انتفى أيضاً، وإن استلْحَقَه أو سكَتَ عن نفيه، لَحِقه، وإن بانَتْ باللعان؛ لاحتمال أنه وطئها بَعْد وضع الأَوَّل فعلقت قبل اللعان، فتكون حاملاً حَالَ حُصُول البينونة، فأشبه ما إذا طَلَّق امرأته ثلاثاً، فأتت بوَلَدٍ لأقل من أرْبَع سنين منْ وقْت الطَّلاق يثبت نسبه؛ لاحْتمال كونها حاملاً يوم الطلاق، ولا، يلزم من لحوق الولد الثاني لُحُوقُ الأول؛ لأنهما حملان [فلا يلحقه الأول] بخلاف ما في الجملة الأَولَى، وما ذكَرْناه من لُحُوق الوَلَد الثاني، إذا لم يَنْفِه، هو الصحيح الذي أوْرَدَه الجُمْهور.

وقال الشيخ أبو إسْحَاق -رحمه الله- في "المهذَّب": إن أتتْ بوَلَدٍ، فنفاه باللِّعَان، ثم أَتَتْ بالولد الثاني لستة أشْهُر من ولادةِ الأوَّل، انتفى الثاني بغَيْر لعان؛ لأنها علقت به بعْد زوال الفراش، وهذا ليْس وجهاً آخر، بل الأشبه أنه سهْو، والتوجيه الذي ذكَرَه ممْنُوع، وجميع ما ذكَرْناه فيما إذا لاَعَن عن الولد المُنْفَصِل ثم أتَتْ بولد آخر، أما إذا لاعن عن الحَمْل، أما في النكاح أو بعد البينونة إذا جوَّزناه، فَوَلَدَتْ ولداً، ثم ولدت آخر، نُظِر؛ إن لم يكن بينهما ستة أشهر، فالثاني منفي أيضاً؛ لأنه لاَعَن عن الحَمْل، والحمْلُ اسم لجميع ما في البَطْن، فالإشارة إلى الحَمْل إشارةٌ إليهما جميعاً، وهو كما لو نَفَى بلعانٍ واحدٍ ولدَيْن أو أولاداً عدةً بعد الانفصال، وإن كان بينهما ستَّة أشهر، فصاعداً، فالأول منفيٌّ باللعان، وينتفي الثاني بلا لِعَان؛ لأن النكاح ارتفع باللعان، وانقضتِ العدة بوضع الولد الأول، وتحقق براءة الرحم، فيكون الثاني حادثاً بعد البينونة


(١) في أ: ثم لو لاعن.

<<  <  ج: ص:  >  >>