للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطول مدة الانتظار، وقد روي أن حبان (١) بن منقذ طَلَّق امرأته طلقةً واحدةً، وكانَتْ لها [منه] بُنَيَّة صغيرة تُرْضِعها، فتباعد حيضها، ومَرِضَ حبان، فقيل له: إنَّكَ إنْ مِتَّ وَرَثَتْكَ، فَمَضَى إِلَى عُثْمَانَ وَعِنْدَهُ عَلِيُّ وَزَيدٌ -رضي الله عنه- فسأله عن ذلك فقال لِعَلِيٍّ وزَيْدٍ -رضي الله عنهما-: ما تَرَيَانِ، فَقَالاَ: تَرَى أنَّهَا إِنْ مَاتَتْ، وَرِثَهَا، وَإِنْ مَاتَ وَرِثَتْهُ؛ لأنها ليست من القواعد اللائي يئسْن من المحيض، ولا من اللائي لم يَحِضْنَ، فرجع حبان إلى أهْلِهِ، فانتزع البِنْتَ منْها، فعَادَ إلَيْها الحَيْض، فحاضَتْ حيضتين، ومات حبان قَبْل انقضاء الثالثة، فَوَرَّثَهَا عثمانُ -رضي الله عنه-.

وإن انقطع لا لعلة تُعْرف، ففيه قولان: الجديد، وبه قال أبو حنيفة: أنها تصبر إلى أن تحيض، فتَعْتَدُّ بالأقراء أو تبلغ سن اليأس، فتعتد بثلاثة أشهر؛ لأنَّ الاعتداد بالأشْهُر إنما وَرَدَ في اللائي لم يَحِضْن أو يئسن وهذه خرجت عن اللائي لم يحضن، فينتظر دخولُها في اللائي يئسن، وأيْضاً، فإنها مطلَّقة ترْجو عَوْدَ الدَّم، فلا تعتدُّ بالشهور، كما لو انقطع دَمُها لِعَارض معْلُوم (٢)، وروي أن علقمة طلَّق امرأته طلقةً أو طلْقَتَيْن، فحاضَتْ حيْضَةً ثم ارتفع حيْضُها سبعةَ عشَرَ شَهْراً، ثم ماتت، فأتى ابن مسعود -رضي الله عنه- فقال: "حَبَسَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِيرَاثِهَا"، وَوَرَّثَهُ مِنْهَا، والقديم: أنها تتربَّص زمان الحمل؛ لتعرف فراغ الرحم، ثم تعتد بثلاثة أشْهُر؛ وذلك لأن الانتظار إلى سن اليأس مما يشتدُّ ضرره؛ أما في حقِّ الزوجة، فلأنها تبقى محبوسة إلى سن اليأس، ولا يكاد يُرْغَب فيها بعْد تلك الغاية، وبتقدير أن يرغب راغبٌ، فلا يمكن تدارُكُ ما فات، ولا يعود الشباب، وأما في حقِّ الزوج؛ فلأنه يلْزَمُه النَّفَقَة، إن كانت رجعيَّة، وكذلك السُّكْنَى، على هذا، فقولان: أظهرهما، وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله-: أنها تتربَّص مدة العمل غالباً، وهي تسعة أشهر، فإذا انقضت، اعتدت بثلاثة أشهر، وهذا مذهب عمر -رضي الله عنه- وروي (٣) أنه قال: "أيّمَا امرأة طُلِّقَتْ، فحَاضَتْ حَيْضَةً أو حَيْضَتَيْن، ثمِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا، فإِنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فإنْ بَانَ بِهَا حَمْلٌ فَذَاكَ وَإلاَّ، اعْتَدَّتْ بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ وَحَلَّتْ ".

والثاني: أنها تتربَّص أربع سنين لتتيقن براءة الرَّحِم، فهي أكثر مدَّة الحمْل، ثم تعتد بعده بثلاثة أشهر، وقد تجب العدة تعبُّداً مع معرفة البراءة، كما إذا علق الطلاق بوَضْع العمل، فوضعت، يلزمها العدة، وإن تَحقَّقت البراءة، فهذه ثلاثة أقوال، إذا


(١) قال ابن الملقن في الخلاصة (٢/ ٢٤١) رواه مالك والبيهقي وهو قريب منه.
(٢) أخرجه البيهقي بسند صحيح كما في "التلخيص" (٣/ ٢٣٤).
(٣) أخرجه مالك والشافعي عنه عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أنه قال: قال عمر: أيما امرأة طلقت، فحاضت حيضة أو حيضتين، ثم رفعتها حيضة، فإنها تنتظر تسعة أشهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>