للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونَظْمُ "التهذيب" يُشْعِر بترجيح القول الثاني؛ وهو أن الاعتبار بنساء العشيرة، وإيرادُ أكثرهم يقتضي ترجيح الأول، وفي "جمع الجوامع" للرُّويانيِّ: أن أبا إسحاق قال: لعله أصحُّ القولَيْن، ويذكر أن القولَيْن في الأصل مبنيان على أنَّه يُرَاعَى اليقينُ أو الغالب؛ إن اعتبرنا اليقين، تفحَّصنا حال النساء كلِّهن، وإن اكتفينا بالغَالِب، كفى النظر إلى النسوة اللاتي تقاربهن، وأما إذا قلنا بالقول الثاني، فالغالب من نساء العَجَم أن لا يَحِضْنَ بعْد خمسين سنةً، ومن نساء العَرَب أن لا يحِضْنَ بعد ستين، وقيل: إن العربيَّة لا تحيض إذا بلَغَتْ ستين سنةً إلا أن تكُون قرشيَّةً.

ويجوز أن يُعْلَم قوله في الكتاب "أقصى مدة بأس امرأة في العَالَم" بالواو؛ لأن عن أبي علي الطَّبَرِيِّ تخريجَ وَجْه: أنه يُعتبر سنُّ اليأس غالباً، ولا يُنْظَر (١) إلى الأقْصَى، كما يعتبر في المستحاضة المبتدأة إلى ذلك الغَالِب في قَوْل.

المسألة الثانية: لو رأت الدَّم بعْد سن اليأس، نُظِرَ؛ إن رأته قبْل تمام الأشْهُر، فينتقل (٢) إلى الأقراء؛ لأن ما تراه حيضٌ، ولا اعتداد بالأشهر مع الأقراء، وما مضى يُحْسَب قرءًا بلا خلاف، فتَضُمُّ إليه قرءين آخرين.

واعلم أنا إذا اعتبرنا أقصَى سن اليأس في العالَمِ، وبلغت ذلك السنن؛ ثم رأت الدم، فيصير أقْصَى السن الَّتي رأَت الدَّم فيها، ويعتبر بعد ذلك غيرها بها، وإن لم يعاودْها الدم، فيرجع إلى الأشْهُر، وهل تؤمر بالتربص بتسعة أشهر أو أربع سنين قبل الأشهر؟ ذُكِر فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ استظهارًا واحتياطًا، والأصح: المنع؛ لأنَّها قد بلَغَتْ سنِّ اليأس (٣)، والدمُ العارض قد زَالَ، فعاد ظن اليأس، وحينئذ، فلا حاجة إلى التربص، وفي "التتمة" أنها تعتدُّ بشهرين بدلاً من قرءين، والذي صحَّحه الأئمة، وحكَوْه عن القفَّال وغيره: أنها تعتدُّ بثلاثة أشهر تستأنفها ولا تبني، ولا يَجِيْء فيه الخلاف المذكور: أنها تبني أو تستأنف تفريعًا على القديم، وفرَّقوا بأنا على القديم نَكْتَفِي بالظن الغالب، وفي الجديد: يطلب اليقين أو القرب منه، وإذا رأت الدم، بَطَل ما ظنَنَّاه من اليأس، وبَطَل ما ترتَّب عليه من العدة، فوجب الاستئناف، وليس هذا على الخلاف في أنها هل تُؤْمر بالتربُّص إن قلنا: لا تُؤْمَر به، فلا بد من إكمال ثلاثة أشهر؛ لأن ما دون ثلاثة


(١) في ز: ينتظر.
(٢) في ز: فينقل.
(٣) هذا الترجح تابع فيه القاضي الحسين والبغوي، والمنصوص في الأم هو الأول فقال في كلامه على الآيسة: وإن حاضت قبل أن تكمل الثلاثة أشهر فلتستقبل بستة أشهر فإن حاضت فيها أو بعدها حلت ولو حاضت بعد ذلك لم تعتد بالشهور. انتهى.
وبه أجاب الفوراني وتابعه في الوسيط.

<<  <  ج: ص:  >  >>