للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

راجعها ثم طلقها ثانياً. ولو لم يراجعْها، وطلَّقها طلقةً أخرَى، ففيه طريقان:

أحدهما: أن وجوب الاستئناف على القولَيْن؛ لأن الطلاق مَعْنى لو طرأ على الزَّوْجة الممسوسة أوجب العدَّة، فإذا طرأ على الرجْعية أوجبها كالوفاة.

والثاني: القطْع بالبناء؛ لأنَّ الطلاق الثاني يُؤَكِّد الأول والعدَّةَ منْه، بخلاف الرجعة، فإنها تضادُّه فتنقطع العدة، [و] (١) لأنهما طلاقان لم يتخلَّلْها وطء [ولا رجعة،] (٢) فصار كما إذا طلقها طلقتين معاً، وبهذه الطريقة قال أبو إسحاق، ورجَّحها غير واحد من الأصحاب، وبالأُولَى قال الإصطخريُّ وابن خيران، ورجَّحها القفَّال، واحتج بأن للشَّافعيِّ -رضي الله عنه- قولاً في "الإملاء" فيما إذا قال لامرأته: كلَّما ولدتِّ ولداً، فأنتِ طالقٌ، وولدت ثلاثة أنها تُطلَّق بالثالث الطلقة الثالثة، وأنها تستأْنف الأقراء، وذلك لا يُخَرَّج إلا على قولنا: إن الطلقة اللاحقة توجب استئناف العدة، وقد مرت المسألة في موْضِعِها، والظاهر هاهنا البناء، وإن قلنا بطريقة الخلاف، ولو راجعها ثم خالعها، فإن جعلْنا الخُلْع طلاقاً، فهو كما لو طلَّقها بعد الرجعة، وإن جعلْناه فسخاً، فطريقان:

أحدهما: أن وجوب الاستئناف على القولَيْن في الطَّلاق.

والثاني: القطْع بالاستئناف؛ لأن الفَسْخ ليس من جنْس الطلاق، فلا تبنى عدَّة أحدهما على عدة الآخر، وهذا أظْهَر عند القاضي الرُّويانيِّ -رحمه الله-، ويجري الطريقان في سائر الفُسُوخ، وذلك مثْل أن ينكح عبْدٌ أمَةً ثم يُطلِّقها طلاقاً رجعيّاً ثم تُعْتَق الأمة، ويفسخ النكاح. هذا كلامُنا في الطلاق الرجعيِّ.

ولو طلَّق امرأته الممسوسة على عوض أو خالَعَها، فله أن ينكحها في العدَّة، وفي "المهذب" أن المزنىِّ لم يجوز له أن يَنْكِحَها، كما لا يجوز لغيره، وهو غريبٌ، وإذا نكحها، فعن ابن سريج: أنَّه لا تنقطع العدَّة ما لم يطأْها كما لو نكحها أجنبيٌّ في العدَّة جاهلاً.

والصحيح: أنه تنقطع بنفس النكاح؛ لأنَّ نكاحَه صحيح، وإذا صارت المرأة زوجةً له، لم يجز أن تكون معتدَّة منه، ونكاح الأجنبىِّ فاسدٌ؛ وعلى هذا فلو طلَّقها بعْد التجديد، نُظِرَ؛ إن كانت حاملاً، انقضت عدتها بوضْع الحمل، وإن كانت حائلاً، فإن لم يدْخُل بها، بنت على العدة السابقة، ولم يَلْزمْه إلا نصْف المهر؛ لأن هذا نكاحٌ جديد طلَّقها فيه قبل المسيسى، فلا تتعلَّق به العدة وكمال المهر، بخلاف ما سبق في الرجعية، فإنها تعود بالرجعة إلى ذلك النكاح.


(١) سقط في ز.
(٢) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>