الثانية: إذا أعسر زوْج الأمة بالنفقة، ثَبَتَ لها حقُّ الفسخ، كما أنها تَفْسَخ بِجَبِّ الزوج وَعُنَّتِهِ، وهذا؛ لأنها صاحبةُ حقٍّ في تناول النفقة، فإن أرادَتِ الفَسخ، لم يكُنْ للسيِّد منْعُها، فإن ضمن النفقة، فهو كالأجنبي (١) يضمنها, وللإمام احتمالُ أن للسَّيد منْعَها؛ لأنَّ المِلْك في النفقة له، وإن رَضِيَتْ، فهل للسيد الفَسْخ؟ فيه وجهان:
أحدهما: نَعَمْ؛ لأنَّ المِلْك في النفقة له، وضرر فواتها يعود إليه.
والثاني: لا؛ لأنها تستحق النفقة، فَهِيَ في الأصل لها، ثم يتلَقَّاها السيد؛ لأنها لا تَمْلِك، فيكون الفسخ إليها، كما أنه إذا أوصى للعَبْد أو وهب منه يكون القَبُول إليه, وإن كان يَحْصُل المِلْك للسيد، وعلى هذا لا يجب على السيد نفقتُها، بل يقول لها: افْسَخِي أو اصْبِرِي على الجوع، وهذه طريق يلجئها السيد بها إلى الفَسْخ، فإذا فسَخَتْ أنفق عليها، واستمتع بها أو زَوَّجها من غَيْره، وكَفَى نفسه مؤنتها، ويجري الوجهان في أن السيِّد، هل يفسخ إذا كانتِ الأمةُ صغيرةً أو مجنونة؟ وقد يرتبان على الوجهَيْن فيما إذا كانت مستقلَّةً، ويقال: هذه الصورةُ أوْلَى بجواز الفَسْخ؛ لأنَّ النفقة تلزمه، ولا يمكن الجاؤها إلَى الفسخ، فإنه لا اعتبار بقَوْلِها، وسع هذا الترتيب، فالأظْهَرُ عنْد أكثرِهِمْ: أنه لا فَسْخَ له، وجْه أجاب ابن الحدَّاد، ولم يورد صاحب "التهذيب" وجماعةٌ غَيْرُه، وأما إذا أعسر زوجها بالمَهْرِ، وأثبتنا به الخيار، فيكون الفَسْخ للسيد؛ لأنه محض حقه، لا تعلَّق للأمة به، ولا ضرر عليها في فواته، ولأنه في مقابلة البُضْع، فكان المِلْك فيه للسيد وشبه، ذلك بما إذا بَاعَ عبْدًا، وأفلس المشتري بالثمن، يكون حقُّ الفسخ للبائع لا للعبد، وأشار صاحب "التتمة" إلى وجْهٍ آخَر: أن السيد لا يَفْسَخ بالإعسار بالمَهْر، ولا وجه له، ثم هاهنا مسألة نشأَتْ من توجيه الخلافِ، في أن السيد هل يَفْسَخ؟ وهي النظر في حال النفقة، قال الإِمام، وحكاه صاحب الكتاب: هي متعلَّق حقِّ السيدِ والأمةِ جميعاً، أما السيد؛ فلأنها تدْخُل في ملكه؛ لأن الأمة لا تَمْلِك، لكنَّها بحُكْم النكاح مأذونةٌ في الأخذْ والقَبُول، وبحكم العرف في تَنَاوُل المأْخُوذ، وأمَّا الأَمَةُ، فلها أن تُطَالِب الزَّوْج، كما كانَتْ تُطَالِب السيِّدَ، وإذا أخَذَتْ، فلها أن تتعلَّق بالمأخوذ، ولا تسلمه إلى السيد، حتى تأخذ بَدَلَه وله الإبدال بحق الملك، والحاصل أن له حقَّ الملك، ولها حقُّ التوثُّق، كما أن نفقة زوجة العبد تتعلَّق باكتسابهِ، والملكُ فيها للسيد ويُبْنَى على هذا أنه لا يجوز للسَّيِّد الإبراء عن نفقتها ولا بيع المَأخوذ قبل تسليم البَدَل
(١) ما ذكره في الضمان عجيب إذ كيف يضمن رب الدين دينه، فإن ضمان نفقة اليوم بعد طلوع فجره صححه من الأجنبي بشرطه، وما مضى واستقر دين السيد وما لا يستقر ضمانه باطل من كل أحد على المذهب.