ثم القِصَاصُ لا يختص بالنَّفْس، بل يجري في غير النفس من الأطراف وغيرها، والكلام فيه فَنَّانِ:
أحدهما: في المُوجِب للقِصَاص.
والثاني: في حكم القصاص الواجب استيفاءً تارةً وعفْواً أخْرَى. أما الفَنُّ الأول: فهو مرتَّب على نوعين: قِصَاصِ النَّفْسِ، وقِصَاصِ الأطراف والجراحات.
أما النوع الأول: فللموجب فيه ثلاثةُ أركانٍ، وهي: القَتْلُ والقَتِيلُ، وَالْقَاتِلُ، وإذا كانت هذه الأركان بالصفات المفصَّلة من بعد، تعلق بها القصاص، هذا هو الترتيب المسبوق في الكتاب، وكان من حقِّه أن يقول:"والنَّظَر في القِصَاصِ في المُوجِب والوَاجِبِ، ومِنَ الموجِبِ في النفس والطرف"، وكذلك فعل في "الوسيط".
وقوله هاهنا:"والنظر في القصاص في النفس والطرف، ومن النفس في الموجب والواجب" لا يلائم موضع التفصيل.
الركن الأول: القَتْلُ قال: "وهو كل فعل عمد محْض عدوان مِنْ حيْثُ كَوْنُهُ مَزْهِقاً للروح" ومعناه أن القتل الَّذِي هو ركْنٌ وجوب القصاص ومتعلّقه هذا لا أنَّ كل قتل هذا، وإنما قال فِعْل ليشمل الجُرْح وَغيره، واحترز بقوله:"عمد محْض" عمَّا ليس بِعَمْد أصْلاً، وعما هو عَمْدٌ من وجه دون وجه، ويُسمِّى شبْهَ العَمْد، وبقوله:"عدوان" عن أنواع القتل الجائز.
وقوله:"من حيث كَونُهُ مُزهِقاً للروح" يبَّين أن هذا الفعل لا بُدَّ وأن يكون مزهقاً، والتقدير: فعل مزهق عدوان، من حيث هو مزهق، وفي هذا القيْدِ الآخر احتراز عما إذا غَرَزَ فيه إبرةً، ومات في الحال من غير استعقاب ألَمٍ وورمٍ، فإنه لا يتعلَّق به القِصَاص؛ لأنه ليس بعدوان مِنْ حيث هو مُزْهِقٌ؛ لأنه ليس بمزهق، أو لا يدري هل هو مُزْهقٌ أم لا، وعما إذا استحق حزَّ رقبته قِصَاصاً، فَقَدَّهُ بنصفَينِ، فإنه لا يتعلَّق به القصاص، وإن كان ذلِك عدْوانًا؛ لأنه ليس بعدوان من حيث إنه مزهق، وإنما هو عدوان من حيثُ إنه عَدَلَ عن الطريق المستَحَقِّ إلى غيره، ولَمَّا كانت الحاجة تَمَسُّ في الضبْطِ المذكور إلى تمييز العمْد عن غيره، وإلى معرفة الفعْل المُزهِق الذي يتعلُّق به القصاص مباشرةَ وتسبُّياً، فإن اسم المزهق يقع على الطريقين جميعاً، وإلى معرفة الحكم، فيما إذا اجتمع الطريقانِ المباشرةُ والسَّبَبُ، وما إذا اجتمعت مباشرتان، وعقد السلام في هذه المقاصد أربعة أطراف:
= المال ثم يجب ولا تجب الكفَّارة بقتل المرتد بحال، وقس على هذا ما إذا قتل الزاني المحصن مثله ونحوه فإنه لا تجب الكفَّارة وإن وجب القصاص.