وقوله في الكتاب:"أن يصير السبب مغلوباً" إلى آخره يتضمَّن جعْلَ الإلقاءِ من الشاهِق سَبَباً، وتلقي المتلقي وقدَّهُ مباشرةً، وليس ذلك بواضحٍ كلَّ الوضوح على ما ذكرنا في تمييز المباشرة والسَّبَبِ.
وقوله:"لأن فعل الحوت لا يعتبر فهو كنصل منصوب" المراد يه ما حكيناه عن الإِمام: أن الحوت يلتقم بطَبْعِهِ، فينزل فعْلُه منزلة النصل الخارج ونحوه.
وقوله في تخريج الربيع:"لأن اختيار الحيوان شبهة" إشارة إلى الفرق بين التقام الحُوتِ والجِرَاحةِ الحاصلةِ بالنَّصْل، فإن النَّصْل لا اختيارَ لَهُ ولا شعور، وللحَيَوان قصْدٌ واختيارٌ، وإن كان عادياً ضارباً، فكان ما يفعله الحيوان بالطبع متردَّداً بين الأثر الحاصل من غير الحيوان، وبَيْن فعل الحيوان بالاختيار والمشيئة، فاختلف القول في أنه بم يلحق؟
قَالَ الرَّافِعيُّ: المكرِه على القتل يلزمه القصاص على ما مر، وفي المُكْرِهِ قولان:
أحدهما: وبه قال أبو حنيفة: "أنه لا يلزمه القِصَاص؛ لأنه قتله دفعاً عن نَفْسه، فأشبه قَتْلَ الصائل وأيضاً، فإن المُكْرَهَ آلةٌ للمُكْرِهِ"؛ ولذلك وجب القصاص على المُكْرِهِ، فصار كما لو ضَرَب به المُكْرِهِ على قَتْلِهِ، فقَتَله، وأصحُّهما: الوجوب، وبه قال مالك وأحمد؛ لأنه قتله عُدْواناً لاستبقاء نفسه، فصار كما لو قَتَل المُضْطَرُّ إنساناً، فأكَلَه، يلزمه القصاص، ولا يشبه قَتْل الصائل؛ لأنه بالصيال متعدٍّ مُمَكَّنٌ من دفْعه، ولهذا لا يأثَمْ بقتل الصائلِ، والمُكْرَهُ يَأْثَمُ كما المختارُ، وبهذا يَبْطُل كونه آلةً، وفي موضع القولَيْن طريقان:
أظهرهما: أنهما يَطَّردان فيمَنْ أكرهه السلطانُ، ومن أكرهه المتغلب.
والثاني: تخصيصُهما بمن أكرهه السلطانُ، والقَطْع بوجوب القصاص على من أكرهه المغلِّب، والفرق أن السلطانَ واجبُ الطاعة في الجملة، فأمْرُه وإكراهُهُ يُورث شبْهةً تَدْرأ القصاص.
التفريع: إن أوجبنا القصاص، فإذا آل الأمر بالعفو إلى الدية، فهي موزعة