للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإصابة، يجب القِصَاصُ على الآخر، وليس شريكُ الأب كشريكِ الخاطِئِ، فإنَّ الخطأ شبهةٌ في فعل الخاطئ، والفعلان مصادِفَان لمحلٍّ واحدٍ فأورث الخطأ في أحدهما شبهةً في القصاص، كما لو جرح واحدٌ جراحتين إحداهما (١) عمدٌ والأخرى خطأٌ، وشبهة الأبوة في نَفْسِ الأب لا في الفِعْل، وذات الأب يتميز عند ذات الأجنبيِّ، ولا تُؤثِّر شبهة في حقِّه وعلى هذا القياس، لو شارك حر عبداً في قتل عبد أو مسلمٌ ذميّاً في قتل ذميٍّ، لا قصاص على الحرِّ والمُسْلِم، ويجب على الذميِّ والعبْد.

وأبو حنيفة: يوجب القصاص عليهما جميعاً. ولو جرح ذميٌّ ذمياً ثم أسلم المجروح، فجرحه مسلمٌ، أو عبدٌ عبداً، ثم عَتَق المجروح، فجَرَحَه حرَّ ومات منهما، فيجب القصاص عليهما جميعاً؛ لأن القصاصَ يجبُ عَلَى كلِّ واحدٍ منهما بتقدْير الانْفِرَادِ.

والثانية: ألا يكون مضموناً، كما إذا جرح حربىٌّ مسلماً، وجرحه مسلمٌ أيضاً، ومات منهما أو قُطِعتْ يَدُ إنسان في سرقة أو قصاصٍ ثم جرَحَه جارحٌ متعدَّياً أو جرح مسْلمٌ مرتدّاً أو حربيّاً، فأسْلَم فجرحه غيْره أو ذميٌّ حربياً، ثم عقَدَتِ الذمة للمَجْرُوح، فجَرَحَه ذميٌّ آخَرُ أو جَرَح الصَّائِل عليه ثم جرحه آخر، ففي وجوب القصاص على الشَّرِيك في الصور قولان:

أصحُّهما: على ما ذكر الرويانيُّ وغيره: أنه يجبُ؛ لحصول الزهوقِ بفعلَيْن عَمْدين، وامتناع القصاصِ على الآخر؛ لمعنى يَخُصُّه، فصار كشريك الأب.

والثاني: لا يجبُ؛، بل عليه نصْفُ الدية؛ لأن مَنْ لا يضْمَنُ أخفُّ حالاً من الخاطئِ الَّذي فعْلُه مضمونٌ بالدية، فهذا لم يجبْ على الشريك الخاطئِ، فأَوْلَى أن لا يجبَ عَلَى الشريكِ في هذه الصورة وفي شريك الجلاَّد ومستَوْفِي القصاصِ طريقة قاطعة بالوجوب؛ لأن فعلهما في مقابلة ما سبق من جناية المقطُوع، فهو كالمضمون به.

ولو جرحه سَبُعٌ أو لدغته حيَّةٌ أو عقرب، وجرحه مع ذلك آدَمِيٌّ، ففي وجوب القصاص عليه طريقان: أشهرهما: طرد القولَيْن.

والثاني: القطْع بأنَّه لا قصاص (٢) علَيْه؛ لأنه لا تكْليفَ على السَّبُع، فكان شريكه


(١) سقط من: ز.
(٢) وذكر في المهمات أن النووي خالف في تصحيح التنبيه فصحح المنع ولم يبين المعتمد وقد رأيت في تذكرة العالم لابن سريج تصحيح المنع.
وقال الشيخ أبو خلف الطبري في شرح المفتاح: إنه أظهر، واختاره الصيدلاني في شرح المختصر. قال: لأن فعل السبع لا يوصف بالعمد بل هو أبعد من العمد من فعل الخاطئ والصواب الوجوب فقد نص عليه في الأم.

<<  <  ج: ص:  >  >>