للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: قَطَع طَرَف حُرٍّ ثم قتَلَه، فإن قتله بعْد الاندمال، فللوارث أن يقتص منه في الطرف والنفس، وله نصْف الدية لليد، وكمالُ الدية للنفس، فإن شاء استوفَى القصاص فيهما وإن شاء أخذ بدلهما، وإن شاء استوفَى في أحدهما وبدل الثاني، وإنْ قتله قبل الاندمال، فللوارث القصاص في النفس، بقطع اليد، وله دية النفس فَقَطْ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: ثُمَّ حَقُّ السَّيِّدِ فِي الدَّرَاهِم، وَالوَاجِبُ عَلَى الجَانِي الإِبِلُ وَالخيَرَةُ إِلَى الجَانِي، فَإنْ سَلَّمَ الإِبِلَ فَهِيَ وَاجِبَةٌ، وَإنْ سَلَّمَ الدَّرَاهِمَ فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ الامْتِنَاعُ لأنَّهُ حَقُّهُ، وَقِيلَ: الإِبِلُ هُوَ الوَاجِبُ لأَنَّهُ المُتَعَيِّنُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: عرَفْت أن الواجبَ فيما إذا جنَى على عبد فعَتَق، وسَرَت الجناية إلى نفسه، إنما هو الدية، والدية الإبِلُ، فقال الأصحاب: تُؤْخَذُ الإبل، وتصرف إلى السيد حِصَّته على التفصيل الذي سَبَق من الإبل، وليس للوارث أن يقول: أسْتَوْفِي الإبل، وأدفع إليه ما يستحِقُّه من الدراهم أو الدنانير، فإنه إنما يستحِقُّ القيمة بحقِّ المِلْكِ، والقيمة الدراهم أو الدنانير؛ لأن ما يستحقه يستحقه من عين الدية التي هي الواجبة في الواقعة، وليست هي مرهونةً بحقه بخلاف الدَّيْن مع التركة، حيث يتمكَّن الوارث من إمساك التركة؛ لأن صاحب الدَّيْن لا يستحِقٌّ عينها، وليس للسيد أن يكلِّف الجاني تسليم الدراهم، ولو أتى الجاني بالدراهم، ففي إجبار السيد على القَبُول وجهان، ذكرهما الإِمام:

أحدهما: المَنْع؛ لأن الواجب المتعيِّن الإبل، فله أن يقول [له]: سلم حقِّي إلَيَّ.

والثاني: يُجْبَر؛ لأن ما يجب له يَجِب بحَقِّ المِلْك، والواجب بحقِّ الملْك النقْدُ، فإذا أتى به، فقد أتَى بأصْل حقِّه وحاصلُ هَذا الوجّه تخيير الجاني بيْن تسليم الإبل وتسليم الدراهم، وهو أفقه وأغوص عنْد الإِمام، وإيراد الكتاب يُشْعِر بترجيحه أيضاً، ولو أَبرأ السيّد الجاني عمَّا يستحقه من الدية برئ، وليس للورثة المطالبة به.

فرع: رمَى إلى ذميِّ، فأسلم أو عبْد، فعَتَق قَبْلَ الإصابة فيجب دية حرٍّ مسلمٍ، ولا قصاص إذا كان الرامي حرّاً مسلماً، وكذا لو رمى ذميٌّ إلى ذميٍّ أو عبدٌ إلى عبدٍ، ثم أسلَمَ الذميُّ أو عَتَقَ قبل الإصابة، لا يجب القصاص؛ لأنه لا كفاءة عند الإصابة.

وقد يقال، على سبيل الترجمة عن مسائل الفصْل المذكور في تغير الحال بيْن الجرح والمَوْت وبين الرمي والاصابة: كلُّ جُرْحٍ ابتداؤه غيْرُ مضمون، لا ينقلب مضموناً بتغيُّر الحال في الانتهاء، وذلك كما إذا جرح مرتدّاً، فأسْلَم، وكلُّ جرح ابتداؤه مضمونٌ، وانتقل المجروحُ إلى حالة الإهْدار، لم يتعلَّق به إلا ضمان ذلك الجُرْحِ، وذلك كما إذا جرح مسلماً، فارتدَّ، وإن كان مضموناً في الحالتين، اعتبر في قَدْر

<<  <  ج: ص:  >  >>