للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القصاص، ففي الدية أَوْلَى، وإلا ففي الدية وجهان، وإذا وفيت حقَّ التأمل فيما ذكَرْنا، ظهر لك أن الخِلاَفَ في أن القِصَاص في بعض الأصابع، هل يستتبع حكومة مثابتها من الكفِّ؟ يحصُلُ من وجهين: أحدُهما: أن القصاص هل يَسْتتبعُ الحكومة.

والثاني: أن البعض هل يستتبع البعْض. ولو قطَع كفّاً لا أصابع علَيْها، فلا قصاص إلاَّ أن يكون كفُّ القاطع مثلَها، ولو قطَع صاحبُ هذه الكفِّ يدًا سليمةً، فله قطْع كفِّه ودية الأصابع، حكاه القاضي ابن كج عن النِّصِّ.

الثالثة: إذَا كانَتْ في يدِ الجانِي أصبعانِ شلاَّوان، ويدُ المجنيِّ عليه سليمةٌ فإنْ شاءَ قَطَع يده، وعليه أن يقنع بها، فإنا ذكرنا فيما إذا عمَّ الشلل اليد، أنه إذا قطعَها، يَقْنَع بها، وإذا كان الشَّلَل في بعْضها، فالقناعة أوْلَي وإن شاء، لقط الثلاث السليمة، وأخذ ديةَ أصبعين، ويعود في استتباع القِصاص في الثَّلاَثَ حكومةُ منابتها، وفي استتباع حكومةِ ديةِ الأصبعين حكومة منبتهما الخلافانِ السابقانِ، ولو كانت في يدِ المجنيِّ عليه أصبعان شلاوَانِ، ويدُ الجاني سليمةٌ، لم يجز القصاص من الكوع، ولكن للمجني عليه أخذُ الثلاثِ السليمةِ، وحكومةُ الأصبعَيْنِ الشلاوَين، ويعود الخلاف في استتباع القصاص في الثلاثِ حكومةُ منابتها، وفي استتباعِ حكُومةِ الشلاوين حكومةُ منبتهما وجهان:

أحدهما: وهو الذي أورده أصحابُنا العراقيون: أنها تستتبعها؛ لأن حكومتها هي المال الواجبُ فيها فأشبهتْ ديةَ الصحيحةِ.

وأصحُّهما: عند صاحب الكتاب والإمام والحُسَيْن الفراء: المنع؛ لأن الحكومة ضعيفةٌ غيْرُ مقدَّرة، فلا يليق بها الاستتباع، بخلاف الدية، وفي لفْظ "المختصر" ما يوافِقُ هذا الوجْه ويؤيِّده، والوجهان يجِيئَان على قوْلنا: إنَّ ديةَ بعْضِ الأصابع تستتبع قسْطاً من حكومة الكفِّ.

أما إذا قلْنا: إنَّ ديةَ بعْضِها لا تستتبع بعْض الحكومةِ، فحكومةُ بعضها أوْلَى.

فرْعٌ: لو قطع كفَّاً ليست لها إلا أصبع واحدٌ خطأً، وجبت دية تلْك الأصبع، والظاهر أنه تدْخُل حكومة منبتها فيها، وأنه يجب حكومةُ باقِي الكفِّ، وعلى الوجه الذي قلْنا: إن كل أصبع يستتبع كلّ الكف؛ لا يجب شيْءٌ من الحكومة.

آخَرُ في "التهذيب": أنه لو كانتْ أصابعُ إحْدَى يديه وكفها أقْصَرَ من الأخْرَى، فلا قصاص في القُصْرَى؛ لأنها ناقصة (١) وفيها ديةٌ ناقصةٌ بحكومةٍ.


(١) قال في الخادم: سكتا عليه وليس كذلك بل قضية كلام الشَّافعي والأصحاب أنها إن كانت تامة الأنامل والبطش فإنه يجب فيها القصاص.

<<  <  ج: ص:  >  >>