للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: نعم؛ لأنه سكت في محلٍّ يحرُم فيه السكُوت، فدل على الرضا.

والوجهان؛ على ما ذكر الإِمام، مفرَّعان على أنه لا يجوز الاستسلامُ ومأخوذَانِ من تردُّد الأصحاب في أن الزانية لم لا تستحق المَهْرَ، فَمِنْ قائل إنها لا تستحقُّ؛ لأن الوطء محرَّم، ومن معلِّل بأن التمكين رضاً في العُرْف؛ وعلى هذا، فالتمكينُ من القطْع إباحةٌ، ولو سرى قطْع اليسار إلى النفس، ففي وجوب الدية الخلافُ المذكور، فيما إذا قال: اقتلْنِي، فقَتَلَه، وبنى وجوب الكفَّارة المقْطُوع يساره على الخلاف في أن قاتِلَ النفْس، هل يلْزمُه الكفَّارة؟

هذَا هو الكلام في قطع اليسار في هذه الحالة، وأما قصاص اليمينِ، فإنه يبقى كما كَانَ.

نعم، إذا سرى قطْع اليسار إلى النفس، فات محلُّ القصاص، فيعدل المستحِقُّ إلى الدية، ولو قال: قطعْتُ اليسار على ظَنِّ أنها تجزئُ عن اليمين، ففيه وجهان:

أحدهما: أنه لا يسقط قصاصُ اليمين؛ لأنه لم يسقطْه ولا اعتاض عنه.

وأظهرهما: وهو المذكور في "التهذيب" واختيار الشيخ أبي حامد والقاضِي الحُسَيْن، على ما حكى الإِمام: أنه يسقط؛ لأنه رَضِيَ بسقوطِه اكتفاءً باليسار، وإذا كنَّا نجعلُ الإخراجَ مع قصْد الإباحة كالتصريح بالإباحة، لم يبعد أن يُجْعل قطع اليسار على قَصْد الاكتفاء بها كالتصْريح بإسقاط القصاص في اليمين، وعلى هَذَا فيعْدِلُ مستحِقُّ اليمين إلى الدية، واليسار هدرٌ بالإباحة، ويجري الوجهان فيما إذا جاء الجانِي بالدية، وطَلَب من مستحِقِّ القصاص متضرعاً إليه أن يأخذها وينزل القصاص، فأخَذَها، هل يُجْعَل الأخذُ عفواً، ولو قال: علمت أن اليسار لا تجزئُ عن اليمين شرعاً، لكن جعلتها عوضاً عن اليمينِ من عندي، اطَّرَدَ الخلاف، وجعل الإِمام هذه الصورة أولَى بالسقوط؛ لأن ما صدَرَ منْه، والحالةُ هذه، يَظْهَر حمله على معاوضة فاسدةٍ، وهناك ظَنَّ حكمَها وهو مخطئ فيه، فإسقاط حقِّه بذلك الظنِّ كالمستبعد.

وقوله في الكتاب: "فأما القصاص في اليسار فيسقط" يجوز أن يُعْلَم بالواو؛ للاحتمال الذي أبداه ابن سلمة.

وقوله: "وأما حق القاطع في اليمين" يعني قاطع اليسار.

وقوله: "قصدتُّ بقطع اليسار أن آخذه عوضاً عن اليمين يشمل الصورة المرتبة والمرتَّب عليها؛ لأن أخذه عوضاً عن اليمين يجوز أن يكُون لِظَنِّه جوازَ الإبْدَالِ شَرْعاً، ويجوز أن يكونَ لجعله اليسارَ عوضاً منْ عنده مع العِلْم بأنه لا يَجُوز.

الحالة الثانية: إذا قال قصدتُّ بإخراج اليسار إيقاعَها عن اليمين، لظَنِّي أن اليسار

<<  <  ج: ص:  >  >>