تقوم مقامَ اليمينِ، فنسْألُ المقتص، لِمَ قطَعَ اليسار، ويفرض جوابه من عدة وجوهٍ.
أحدُها: أن يقول: ظننتُ أنه أباحَها بالإخراج، فلا قصاص علَيْه في اليسار؛ لأن ما يقوله محتملٌ، وفي إخراج اليسارِ، والمطلوبُ اليمينُ، ما يوهمه، هكذا يُحْكَى عن القفَّال وغيره، قال الإِمام: وفيه احتمالٌ؛ لأن اللائقَ بالحال الدهشةُ، أو جعْلُها بدلاً عن اليمين، أما الإباحة، فهي بعيدةٌ، والظنونُ البعيدةُ لا تَدْرَأُ القصاصَ، وتحقيقُ الإباحةِ مع اعتراف المُخْرِج بأنه [قصد بإخراجها الإباحة]، فيه تكلف، كما سبق، فكيف، والحالةُ هذِهِ، ويَحْسُنُ أن يقام ما ذكَره وجهاً، ويُعْلَم له قوله في الكتاب:"فلا قصاص في اليسار" وأما قصاص اليمين فإنه يبقى كما كان.
والثاني: وهو غيرُ مذكورٍ في الكتاب: أن يقول: علمتُ أن المخرَجَ اليسارُ، وأنها لا تجزئ عن اليمينُ، ولا تُجْعَلُ بدَلاً عنْها، ففي وجوب القصاص وجهان، قال ابن الوكيل: يجب؛ لأنه قَطَع بلا استحقاق عن علْم بالحال، والأصحُّ: المنع؛ لتسليط المُخْرِجِ عليه؛ بجعله عوضاً وإخراجه على هذا القصْد، ولكن تجبُ الديةُ وعلى الوجهَيْن؛ يبقى قصاصُ اليمين، كذلك ذكره صاحب "التهذيب" وغيره.
والثالث: أن يقول: قطعتُها عوضاً عن اليمين، وظننتُ أنها تجزئُ عنها، كما ظنَّ المخرِجُ، فقد ذكر الإِمام وصاحب الكتاب في "الوسيط": أنه لا قصاص في اليسار؛ لما سبق من شبهة تسليطِ المخرِج بقصد الإيقاع عن اليمين، وأن العراقيِّين حكَوْا عن ابن الوكيل: وجوبَ القصاصِ، وأن سقوط القصاص في اليَمينِ يُخَرَّج على الخلاف المذكور في الحالة الأُولَى والظاهرُ سقوطُه تنزيلاً للفعْل مع توافُقِ القصدَيْن على اعتياضٍ فاسدٍ، وكُتُبُ العراقيين ساكتةٌ عن رواية الوجُوب عن ابن الوكيل في هذه الصورة، إنما رووه، إذا قطَع، وقال: علمتُ أن اليسار لا تجزئُ عن اليمين، على ما قدَّمْنا، والذي أورده صاحب "التهذيب" وغيره في اليمين: سقوطُ [القصاص، وإذا سقط](١) عن كل واحدٍ منهما، وجبَتِ الديةُ لكل واحدٍ منْهما على الآخر.
والرابع: أن يقول: ظننتُ أن التي أخرجَها اليمينُ، فلا قصاصَ في اليسار؛ لما ذكرنا عن معنى التسليط، وقد نقل الإِمام عن العراقيِّين القَطْعَ به، وصوَّبهم فيه، وفي "التهذيب" وجه آخر: أنه يجبُ القصاص، كما لو قتل إنساناً، وقال: ظننته قاتِلَ أبي، فلم يكن، وإذا قلْنا: يجب، وهو الظاهر، ففي وجوب الدية وجهان:
أحدهما: المنع؛ لأن المخرِجَ قصَّر حيْث لم يتثبت، وسلَّط على القطْع.