للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبنيَّان على أنَّ الوكيل، هل ينعزِلُ قبل بلوغ خبر العَزْل إليه، فإن قلْنا: لا ينعزل، فالوكيل هاهنا قتل بحق، فلا تجب ديةٌ، وإن قلنا: ينعزل، فقد قتل بغير حق، فتجب الدية، وهذا ما أورده ابن الصبَّاغ والصيدلانيُّ وغيرهما، وأنكر الشيخُ أبو محمَّد هذا البناء، وساعدَه الإِمام، وقال الوكيل: وإن قلْنا: [إنه] لا ينعزل قبل بلوغ الخبر إليه، فينعزل إذا تصرَّف الموكَّل بما يتضمن انعزاله، ألا تَرَى أنَّه إذا وكَّل إنساناً يبيع عبده، ثم أعتقه، ينفذ العتق، وينعزل الوكيل، ويكون بيعه بعد إعتاق الموكّل مردوداً لا محالة، وبناهما آخرون على الخلافِ فيما إذا قتَلَ في صفِّ المشركين من حسبه كافراً، فبان أنَّه كان مسلماً أسيراً، ووجه المشابهة أن الوكيل هاهنا قَتَل عَلَى ظن بقاء القصاصِ، وهو ظاهرُ الحالِ، كما أن القتل هناك مبنيٌّ على ظنٍّ ظاهرٍ، وهو كون الواقفِ في صفِّ الكفار كافراً، وعن الشيخ أبي محمَّد وغيره أن القولَيْنِ مَتأصِّلان غير مبنيين على شيْء، ولو عزَلَه، ولِم يعْلَم الوكيل بالعزل، وقَتَله، ففي الدية القولان أيضاً، وإذا قلْنا بوجوب الدية، فلا يخفى وجوب الكفَّارة، وإن لم نوجِبِ الدية، ففي الكفَّارة وجهان.

أصحُّهما: على ما ذكر جماعة من المعتَبَرِين: الوجوب، وبه قال المزنيُّ، ويُنْسَب المنْعُ إلى ظاهر النصِّ، وهو مستمرٌّ على قولنا: إنه لا ينعزل قبل بلوغ الخبر، وإذا جمع بين الكفَّارة والدية، حصَلَتْ ثلاثة أوجهٍ أو أقوالٍ، كما ذكر في الكتاب.

ثالثُها: وجوب الكفَّارة دون الدية.

التفريعُ: إن أوجبنا الديةَ، فهي مغلَّظة؛ لأن القتل عمْدٌ أو شبْه عمْدٍ، وعن رواية أبي الحُسَيْن بن القطَّان قولٌ أنها تجب مخففةً، وعلى هذا، فهيَ على العاقلة، وعلى الصحيح؛ تكون على الوكيل أو على عاقلته؟ فيه وجهان:

أحدُهما: وبه قال ابن أبي هريرةَ: أنها على العاقِلة؛ لأنه قتل جاهلاً بالحال، فكان كالمخطِئ.

وأصحُّهما: وبه قال أبو إسحاق: أنها على الوكيل؛ لأنه متعمِّد وإنما سقَطَ القصاص للشُّبْهة، وحَكَى الإِمام وجهَيْن على قولنا: إنها على الجاني؛ أنَّها تكون حالَّة أو مؤجلةً (١)، ثم الدِّيَة الواجبةُ بقتل الوكيل، لورثة الجاني لا تعلُّق بها، للموكل بخلاف ما إذا ثبَتَ القصاص لا تبنين، وبادر أحدُهما، وقَتَله، يجبْ عليه نصف الدية للآخر في أحد القولَيْن، وفَرَق بينهما بأن القاتل هنَاك أتلَفَ حقَّ أخيه، فتعلَّق [الأخ] ببدله، والوكيلُ هاهنا قتَل بعْد سقوط حقِّ الموكِّل، ونقل القاضي ابن كج أن بعض الأصحاب جعَلَه على الخلاف في الابنين، وإذا غُرِّم الوكيلُ أو عاقلته الديةَ، فهل يرجع من غرم على العافِي؟ فيه طريقان:


(١) قال النووي: أصحهما: حالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>