للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالآخِرَةِ فَسادُ المَنْبِتِ، فَإذَا ماتَ قَبْلَ التَّبَيُّنِ فَفِي الأَرْشِ وَجْهَانِ لِتَقابُلِ الأَصْلَيْنِ، والمَثْغُورُ إِذَا عَادَ نَادِراً فَفِي اسْتِرْدَادِ الأَرْشِ قَوْلاَنِ، والمُوَضِّحَةُ إِذا الْتَحَمَتْ بِلَحْمٍ جَدِيدٍ لاَ يُسْتَرَدُّ أَرْشُها لأَنَّهُ جَدِيدٌ، والبَطْشُ والبَصَرُ إذَا عَادَ يُسْتَرِدَّ لإنَّهُ الأَوَّلُ، وَقَدْ عَادَ، والسِّنُّ دَائِرٌ بَيْنَهُمَا.

قَالَ الرَّافِعيُّ: القيد الثالث: أن تكونَ مثغورةً، فلو قلع سن صبيٍّ، لم يثغر، فقد سبق في "كتاب الجراح" أنه لا يستوفى (١) في الحال قصاصٌ ولا ديةٌ؛ لأن الغالب أنها تعود، فهي كالشَّعْرَ يُحْلَق، ولكن ينتظر عودُها، فإن عادت، فلا قصاص ولا دية، وتجب الحكومة، إن بقي شَيْن، وإلا فعلى ما ذكرنا في الحكومات؛ أنه لا يجب شيء، أو يعتبر حال الجناية، وقيام الألم، وإن لم تعد، وفسد المنبت، استوفى القصاص أو الدية (٢)، فإن مات الصبي قبل أن يتقين (٣) الحال، ففي وجوب الأرش وجهان، وقيل قولان (٤):

أحدهما: يجب؛ لأن الجناية قد تحقَّقت، والأصل عدم العَوْد (٥).

والثاني: المنع؛ لأن الأصل براءة الذمة، والظاهر أنه لو عاش لعادَتْ، وهذا أقوى (٦)؛ على ما قالَهُ القاضي ابن كَجٍّ وغيره؛ وعلى هذا فتجب الحكومة، قال في "التتمة": وذلك على طريقة من يعتبر حالة الجناية، وتواصل الألم.

ولو قلع قالع سنَّ الصغير وجاء آخر وجنَى على منبته جنايةً أبطلت النبات، قال الإِمام: لا وجه لإيجاب الأرش على الثاني ولا عليهما؛ أما الأوَّل، فيجوز أن يقال بوجوبه عليه، ويجوز أن يقتصر على الحكومة، ولو سقطَتْ سنه بنفسها، ثم جنى جانٍ، وأفسد المنبت، فيجوز أن يقال بوجوب الأرش على الثاني؛ لأنه أفسد المنبت، ولم يسبق جناية يُحالُ الفساد عليها.

ولو قلع سنّ مثغور، فأخذ منه الأرش، فعادت السنُّ على ندرة عودها، فهل يسترد الأرش؟ فيه قولان؛ بناء على أن ما يعود يقام مقام الأول، ويجعل كأنه لا فوات،


(١) في ز: لا يسير.
(٢) يعني يجب القصاص في صورة العمد والدية بالعفو أو في صورة الخطأ، وما جزم به من القصاص هو المعروف ونقل الغزالي فيه قولاً.
(٣) في ز: يتبين.
(٤) ما رجحه من أن الخلاف وجهان مستبعد والصواب الثاني فقد نص عليهما الشَّافعي في الأم. وممن نقلهما قولين الماوردي وغيره، وقال في الذخائر: حكاهما العراقيون قولين والخراسانيون وجهين.
(٥) في ز: القود.
(٦) في أ: أوفق.

<<  <  ج: ص:  >  >>