للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ناقصةَ البطش، فقوي بطشها؛ فقد تبيَّن أن الباقية هي الأصليةُ، حتى لو قطَعَها قاطعٌ، يلزمه القصاص، أو كمال الدية، وهل يستردُّ من المجنىُّ عليه الأرشَ، فيرد إلى مقدار الحكومة؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم، وإلا فقد قدرنا الأولَى أصليةً، والثانية أصلية، ولا تجتمع أصليتَان على مِعْصَمٍ واحد.

وأظهرهما: أنه لا يتبع ما مضَى، وهذه نعمةٌ من الله تعالَى، وقرب بعضهم الخلافَ من الخلاف في عَوْد السنِّ، وفرق بينهما فَارِقُون، وقالوا: السنُّ تعودُ في محلِّ الجناية، والبطش ههنا حصل في غير محلِّ الجناية، ولو كانت اليدان باطشتَيْنِ على السواء، فقطعت إحداهما، وغرمنا القاطع نصفَ ديةِ اليدِ، وزيادةَ حكومةٍ، فإن زادتْ قوة الأولَى, واشتد بطشها، فهل يستردُّ من أرش الأولَى ما يرده إلى قدر الحكومة؟ فيه مثل هذا الخلافِ، وإن ضعُفَت الثانية، لما قطعت الأولَى، وبطَلَ بطْشُها، عرفنا أن الأصلية هي المقطوعَة، فعَلَى قاطعها القصاصُ أو كمالُ الدية؟ قال القاضي ابن كَجٍّ: ويحتمل أن يقال: لا يجبُ القصاص؛ لأن الضعْفَ الذي حدَثَ يحتملُ أن يكون لسراية ألَمٍ أو علةٍ حادثةٍ، لا لكونها زائدة.

قال الْغَزَالِيُّ: العَاشِرُ التَرْقُوَةُ والضِّلَعُ فَفِي كَسْرِ كُلِّ ضِلَعٍ جَمَلٌ تَقْلِيدًا لَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَحُكُومَةٌ عَلَى قَوْلٍ آخَرِ قِيَاساً.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: لا تكمل الديةَ في كَسْر الضِّلْع والتَّرْقُوَةُ، إذْ لم يردْ فيهما توقيفٌ, ولا هما في معنَى ما وردَ التوقيفُ فيه، بل هما شبيهانِ بسائر العظام الباطنةِ؛ كعظم الساق والفَخِذ، والترقوة: العظْمُ المتَّصلُ بين المنكب وثُغْرة النَّحْر، ولكلِّ واحدٍ ترقوتان، وما الذي يجبُ في كسرهما؛ عن نصِّ الشافعيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في "اختلاف الحديث" وغيره؛ أن فيه جَمَلاً وفي "الأم" وغيره؛ أن فيه حكومةً، وفيهما طريقانِ للأصحابِ:

أحدهما، وبه قال المُزَنِيُّ، وصاحبُ "الإِفصاح":أنَّ فيه قولَيْن:

القديم، وبه قال أحمد: أنه يجب فيهما (١) جَمَلٌ؛ لما روِيَ عن عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؛ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ (٢).


(١) في ز: فيه.
(٢) أخرجه رواه مالك في الموطإ عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر: أن عمر قضى في الضرس بجمل، وفي الترقوة بجمل وفي الضلع بجمل، ورواه الشَّافعي عن مالك وقال: وبه أقول, لأني لا أعلم له مخالفًا من الصحابة. قاله الحافظ في التلخيص.

<<  <  ج: ص:  >  >>