للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنسانًا، فالقصاص والضمان يتعلَّقان بالتردية، ولا اعتبار للحفر معها؛ كما ذكرنا في الإمساك مع القتل، وإن لم تكن العلة عدوانًا؛ بأن كان يتخطَّى شخص (١) الموضع جاهلًا، فتردَّى فيها وهَلَك، فإن كان الحفر عدوانًا، تعلَّق الضمان به، لتولُّد الهلاك منه، وتقصيره به، وإلاَّ فلا ضمان فيه. ثم في الفصل صُوَرٌ:

إحداها: إذا وضع صبيًّا في مسبعة، فافترسه السَّبُع، نُظِر؛ إن كان يَقْدِرُ على الحركة والانتقال عن موضع الهلاك، فلم يفعل، فلا ضمان على الواضع، كما لو فتح عرقه، ولم يعصب حتى مات، وأيضًا؛ فإن الموجود تضييعٌ، وليس بإهلاك، والحرّ لا يدخلُ تحت اليد حتَّى يضمن اليد، فانتفت أسبابُ الضمان، وإن كان لا يَقْدِر على الانتقال، ففي الضمان وجْهان، حكاهما الإِمام:

أصحهما، عند صاحب الكتاب، وبه قال أبو حَنيفَة: أنه يجبُ الضمانُ؛ لأن ذلك يعد إهلاكًا في العرف، ولا يبعدُ أن يقال: إنه أشدُّ وأبلغُ تأثيًرا من حفر البئر.

والثاني، وبه أجاب أكثرهم: أنه لا يجبُ؛ لأن الوضعَ ليس بإهلاك، ولم يوجدْ منه ما يلجئ السبع إليه، بل الغالب أن السبع يفر من إنسانٍ على ما تقرَّر في القصاص، وقد ذكر صاحب الكتاب الخلافَ في المسألة مرَّةً في باب الغصْب، وهي مكررة (٢) هاهنا، وفي التقييد بالصبيِّ هاهنا وفي الغصب ما يَفْهِم أنه لو كان الموضوعُ بالعالم يجب الضمانُ لا محالة، والخلافُ مخصوصٌ بالصبيِّ، وذكرنا في القصاص نحوًا من هذا، ويشبه أن يقال: الحكم منوطٌ بالقوة والضعفِ، لا بالكبر والصِّغَر.

الثانية: إذا اتبع إنسانًا بسيفه، فولَّى المطلوب هاربًا، وألقَى نفسه في نارٍ، أو ماء، أو من شاهقِ جبلٍ عالٍ، أو في بئر، فهلك، فلا ضمانَ؛ لأنَّه باشر إهْلاَك نفسه [قَصْداً]، والمباشرة تتقدَّم على السبب، فصار كما لو حفر بئرًا، فجاء آخر ورَدِيَ نفسه فيها، ولأنه أوقع نفسه فيما كان يحاذرُه من المتَّبع، فأشبه ما إذا (٣) أكره إنسانًا على أن يقتل نفسه، فقتل نفسه لا يجب الضمانُ على المُكْرِهِ، ولو لم يشعرْ بالمهلك، ووقع من غير قصده في النار، أو الماء، أو من السطح؛ بأن كان أعمى، أو في ظلمة الليل (٤)، أو في موضع مظلهم، أو في بئر مغطَّاة، فيجب على المتَّبع الضمانُ؛ لأنه لم يقصد إهلاكَ نفسه، وقد ألجأه المتَّبع إلى الهرب المفضِي إلى المعنى المهلك، وقد ذكرنا أنه لو حفر بئْر عُدْوانٍ، فتردَّى فيها إنسان، يتعلَّق الضمان بالحفر، ومعلوم أن هذا الإلجاء أقوَى وأشدُّ تأثيرًا من الحفر المجرَّد، وأبدى الإِمام احتمالاً في وجوب الضمان، وإن


(١) في أ: فتخطى.
(٢) في ز: وهو مكرر.
(٣) في ز: ذا.
(٤) في ز: بالليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>