للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت (١) البئرُ مكشوفةً، إذا كان المطلوبُ لا يتفرَّغ إلى تأمل التخطِّي، ويجعل الحالة التي أرهقته ممهِّدة لعُذْره؛ ويؤيده أنا (٢) نعلِّق الضمان بالحَفْر، ولا فَرْق بين أن يكون التردِّي فيها بالليل أو بالنهار (٣)، ولا بين أن يكون متحفظًا أَوْ لا يكون فهاهنا أولى.

ولو استقبله سَبُعٌ في طريقه، فافترسه، أو لصٌّ فقتله، فلا ضمان على المتبع، بصيرًا كان المطلوب أو أعمَى؛ لأنه لم يوجَدْ من المتَّبع فعلٌ مهلِكٌ، ومباشرة السبع التي عرضت كعروض القتل على إمْساك الممسِكِ، نعم، لو ألجأه، إليه في مضيقٍ، وجب الضمان [على المتَّبع] (٤)، ولو انخسفَ به سقْفٌ في هربه، ففي وجوب الضمانِ على المتَّبع وجهانِ، حكاهما الشيخ أبو إسحاق في "المهذَّب":

أحدهما: المنع؛ لأن المعنَى المُهْلِك لم يشعرْ به الطالِبُ، ولا المطلوب؛ فأشبه ما إذا عرض سبعٌ، فافترسه، وهذا ما أجاب به صاحب "التهذيب"، والقاضي الرُّويانيُّ.

والثاني: يجب؛ لأنَّه حَمَلَهُ على الهرب، وألجأه إليه، وأنه أفضى إلى المعنى المُهْلِك من غير شعور المطلوب منه، فأشبه ما إذا وقع في بئر مغطَّاة، وهذا ما أورده العراقيُّون وحكَوْه، عن نصِّه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في "الأم"، ورجَّحه المتولِّي، وإليه مال الإِمام، وما ذكرناه من سقوط الضمان على المتَّبع، إذا ألقى المطلوب نفسه في ماءٍ، أو نار، أو من سطحٍ قصْدًا أَرَدْنَا به العاقل البالغ، فأما إذا كان المطلوبُ صبيًّا أو مجنونًا، فينبني على أن عمْدَهما عمْدٌ أو خطأٌ، إن قلنا: عمدٌ، لم يضمن المتبع، وإلاَّ ضمن؛ كما لو تردَّى متردِّي في البئر جاهلاً.

وقوله في الكتاب: "إذا افترسه سَبُعٌ في مَسْبَع" في بعض النسخ في "مُتَّسَعٍ"، وقد يشير ذلك إلى أنه لو كان ملجئًا (٥) إليه في مضيقٍ، لم يسقط الضمان عن المتَّبع.

وقوله في الكتاب (٦): "أو أنخسَفَ بهِ سَقْفٌ، ألقى نفسه عليه" هذا اللفظُ يشْعِر بالتصوير فيما إذا ألْقَى نفسه عليه من عُلْوٍ، فانخسف لثقله، وإذا كان كذلك، كان الحكم كما لو ألقَى نفسه من ماءٍ أو بئرٍ، وإن كان سببُ الانخسافِ، ضعْفَه، ولم يشعر به المطلوبُ، ففيه الوجهان المذكورانِ من قبل. وقوله: "إلاَّ إذَا كنت البئرُ مغطَّاة" قد عرفتَ أن الاستثناءَ لا ينْحَصِر في هذه الصورة، بل يستثنى الأعمى، ومن يُلْقِي نفسه في البئر (٧) في ظُلْمة الليل أيضًا، والضبط ألا يشعر بأنه يأتي المُهلِك.


(١) في ز: كان.
(٢) سقط في ز.
(٣) في ز: والنهار.
(٤) سقط في ز.
(٥) في ز: ملجأ.
(٦) سقط في ز.
(٧) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>