للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالثة: لو سلَّم صبيًّا إلى سباحٍ؛ ليعلِّمه السباحة، فغَرِق، وجبتْ ديته؛ لأنه لا يغرق إلا بإهمال السباح، وقلَّة تحفظه، وتكون الديةُ الواجبةُ ديةَ شبهِ العَمْد، كما لو ضرب المُعَلِّم الصبيَّ للتأديب، فهلك، وفي "التتمة" وجه؛ أنه لا يجب الضمانُ، كما لو نقله إلى مَسْبَعَة، وبل أَوْلَى؛ لأن الخطر هناك أكثر، ولأن ذلك تضييعٌ، وهذا قد تدعو الحاجة إليه، وأبدى الإمامُ هذا الوجْه احتمالاً، وقال: الحرُّ لا يدخل تحت اليد، ولم يوجد من السَّبَّاح فعْلٌ، إذا خاض الصبي في الماء بنفسه نعم، لو ألقَاه السَّبَّاح في الماء؛ ليعلِّمه، فقد يجعل الإلْقاء موجبًا للضَّمان على تفصيل مذكور في باب القِصَاصِ، ويجري الخلافُ فيما إِذا كان الوليُّ يعلَمه السِّبَاحة بنَفْسِه، فغرق ولو أدخله الماءَ ليَعْبُر به، فالحكمُ كما لو خَتَنَه، أو قطع يده من أَكِلَةٍ، فمات منه، قاله في "التتمة".

وتبيَّن من التصوير الذي ذكَرْنا؛ أن قوله في الكتاب: "فغَرِقَ بتَقْصيرْ" ليس للتقييدِ، بل من أوجب الضمان قال: إذا غَرِق، وقد حصَلَ في الماء للسباحةِ، فقد قصر السباح، ولذلك غرق، وكان المعنى؛ فغرق ضمن (١) بتقْصيره، فأما إذا سلَّم البالغُ نفْسَه، ليعلِّمه، ففي "الوسيط" أنه إن خاض معه؛ اعتمادًا على يده، فأهمله، فيحتمل أن يجب الضمانُ، والمنقولُ عن العراقيين، والمذكورُ في "التهذيب"؛ أنه لا ضمان؛ لأنه مستقلٌّ، وعليه أن يحتاطَ لنفسه، ولا يغترّ بقول السَّبَّاح.

قال الغَزَالِيُّ: وَحَفْرُ البِئْر لاَ يَكُون عُدْواناً فِي مِلْكِهِ وَفِي المَواتِ إلاَّ إِذَا حَفَرَ بِئْرًا في دِهْلِيزِ نَفْسِهِ وَدَعا إِلَيْهِ غَيْرَهُ فَفِي الضَّمَانِ قَوْلاَنِ لِتَعارُضِ المُبَاشَرَةِ والغُرُورِ، أمَّا فِي الشَّارعِ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِالْمُجْتَازِينَ فَعُدْوَانٌ، وإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الطَّرِيقِ وَبإذْنِ الوَالِي فَلا ضَمَانَ، وَإِنِ اسْتَقَلَّ فَهُوَ جائِزٌ وَلَكِنْ بِشَرْطِ سَلامَةِ العَاقِبَةِ عَلَى أَحَدِ القَوْلَيْنِ، وَإِنْ حَفَرَ لِغَرَضِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَضُرُّ بِالنَّاسِ فَهُوَ جَائِزٌ بِشَرْطِ سَلامَةِ العَاقِبَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: والحفْرُ يُفْرَضُ في مواضِعَ:

أحدها: إذا حفر في مِلْك نفسه، فلا عدوانَ؛ حتى لو دخل فيه [داخلٌ] بإذْنه، وتردَّى فيه، لم يجبْ ضمانه، إِذا عرَّفه المالك أنَّ هناك بئرًا، أو كانتْ مكشوفةً، والداخلُ يتمكَّن من التحرُّز، فأما إذا لم يعرِّفه، والداخلُ أعمَى، أو الموضعُ مظْلِم، ففي "التتمة" أنه كما لو دعاه غَيْره إلى طعامٍ مسمومٍ، فأكله (٢)، ولو حفر بئرًا في دهليز


(١) سقط في ز.
(٢) وما نقله عن التتمة جزم به الإِمام والغزالي لكن الماوردي في الحاوي قال إن هذا قول مخرج من أحد قوليه فيمن سمّ طعامًا وأذن في أكله وأن الأظهر المنصوص عليه أنه لا ضمان. قال: وهذا إن دخل بإذنه فإن أكره على الدخول ضمن قطعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>