للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دارِهِ، ودعا إليها غيره، فتردَّى فيها، ففي الضمان قولان؛ لأنه غرر، ولكن المدعو غير ملجأ، فهو المباشر لإهلاك نفسه باختياره، وهذه الصورةُ مذْكُورة مرة في أول الجراح، لكنه لم يذكر الخلافَ هناك، واقتصر على إيجاب الضمان، وهو الأشبه على ما تقرَّر هناك، ومنهم من يرتِّب، ويقول: إن كان الطريق واسعًا، وعن البئرِ (١) معدلٌ، فقولان، وإن كان ضيِّقًا، فقولان مرتَّبان، وأولَى بالوجوب، وعلَى هذا قياسٌ تقديمِ الطعامِ المسمومِ، وأطعمةٍ فيها طعامٌ مسمومٌ.

والثاني: إذا حفر في مَواتٍ، إما للتملُّك أو للارتفاقِ بالاستقَاء منه (٢)، فلا ضمان أيضًا؛ لأنه جائزٌ؛ كالحفر في المِلْك، وعلَى هذا يحملُ قوله -صلى الله عليه وسلم-: "البِئْرُ جُبَارٌ" (٣).

والثالث: إذا حفر في مِلْك غيره، نُظِر؛ إن حفر بإذْن المالكِ، فهو كما لو حَفَر في ملك نفسه، وإن حفر بغير إذن المالك يتعلَّق به الضمان؛ لكونه عدوانًا (٤)، وذلك إذا علم أن هناك بئرًا، ولم يمكنه التحرُّزَ، وتكون الديةُ على العاقلة، ولو هلكت بها دابَّة أو مالٌ آخر، وجب الضمان في ماله، وهلْ يجعل رضي المالك باستبقاء البئْر بعد الحفر، كرضاه عند الحفر؟ فيه وجهان مذْكُوران في الغَصْب:

الأظهر: نَعَم، ولو كان الحافر عبدًا، فالضمانُ يتعلَّق برقبته، فلو أعتقه السيِّد، فضمانُ من يتردَّى في البئر بعد الاعتاق يتعلَّق بالعتق، وعند أبي حنيفةَ؛ أنه يتعلَّق بالمعتق، ولو حفر في ملْكٍ مشْتَرَكٍ بينه وبين غيره بغير إذْنِ الشَّريكِ، تعلَّق الضمان به أيضًا؛ لأنه لا يجوز الحفر في الملك المشْتَرَك، وعند أبي حنيفة؛ أنه إن كانَتِ الشَّرِكة مع واحدٍ تعلَّق به نصف الضمان، وإن كان مع اثنين، تعلَّق به ثلث الضمان لتعدِّيه في حق اثنين، وإذا حفر في ملْك الغير متعديًا، ودخل داخلٌ ملكه بغير إذنه، فتردَّى فيها، فيتعلَّق الضمان بالحافر (٥)؛ للتعدِّي به، أَوْ لا [يلحقُ؛ لتعدِّي] (٦) المتردِّي بالدخول؟ حكى صاحب "التتمة" فيه وجهين (٧)، وحكى في "البيان"؛ أن المالك لو قال: حَفَرَ بإذْنِي، لم يصدَّقْ؛ خلافًا لأبي حنيفة.

والرابعُ: إذا حفر في شارع، فينظر؛ إن كان ضيقًا يتضرَّر الناس بالبئر، وجب ضمان ما هلَك بها، سواء أذن الإمامُ أو لم يأْذَن، وليس للإمام أنْ يأذن فيما يضر، وإن كان لا يتضرَّر بها الناسُ لسَعَةِ الشارعِ، أو انعطافِ موضعِ البئر، فيُنْظر، إن كان الحفْر


(١) في ز: وعين البئر معدل.
(٢) سقط في ز.
(٣) أخرجه البخاريُّ ومسلم من حديث أبي هريرة.
(٤) هكذا أطلقوه ولم يفرقوا بين الليل والنهار.
(٥) في ز: بالحفر.
(٦) في ز: يتعلق التعدي بتعدي.
(٧) سكت الشيخ عن الترجيح. قال في الخادم: الأقرب أنه لا ضمان لتعدي الداخل بالدخول.

<<  <  ج: ص:  >  >>