للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمصْلَحَة العامَّة؛ كالحفر للاستقاء (١)، والحفر لماء المَطَر، فإن أذن فيه الوالي، فلا ضمان، وإن استقل به، فمنهم من قال: فيه قولانِ:

الجديدُ: أنه لا ضمان، وأشار في القديم إلَى وجوبه، وقال آخرون. وجهان:

أصحهما: أنه لا ضمان؛ لما فيه من المصْلَحة العامَّة، وقد يعْسُر مراجعةُ الإِمام في مثْلِهِ.

والثاني: يجبُ، والجواز مشروطٌ بسلامة العاقبة؛ بخلاف ما إذا أذن الإِمام فيه؛ فإنه النائب عن عامَّة المسلمين، والناظرُ لهم وإن حفر لغرضِ نَفْسه، فقد ذكر جماعةٌ منهم صاحب "التهذيب"؛ أنه يجب الضمان (٢)، أذن الإِمام فيه أم لم يأذن لأنه وإن كان جائزًا، فهو مشروطٌ بسلامة العاقبة؛ لأنه لا يختصُّ الآحادُ بشيء من طريق المسلمين، وعلى هذا جرى الإِمام وصاحبُ الكتاب، والذي أورده أصحابنا العراقيُّون، وتابعهم القاضي الرويانيُّ، وصاحب "التتمة"؛ أنه إن حفر بإذنِ الإِمامِ، لم يلزم الضمان، وجوَّزوا أن يخصِّص الإِمام قطعةً من الشارع ببعض الناس، والترتيبُ عند هؤلاء أن الحفر في الشارع، إذا لم يكن مضرًّا، فإن كان بإذن الإِمام، فلا ضمان بسببه، سواءٌ حفر لنفسه، أو لمصلحةٍ عامَّة، وإن كان بغَيْر إذْنه، فإن حفر لنفسه وجب الضمان، وإن حفر لمصلحة عامَّة، ففيه الوجهان، أو القولانِ، والخلاف راجع إلى ما تقدَّم في إحياء الموات؛ أن إقطاع الإمامِ، هل له مدْخَلٌ في الشوارع، وبَيَّنا أن الأكثرين قالوا: نعم، وجوَّزوا للمُقْطَع أن يبنى فيه، ويتملَّكه، والحفر في المسجد كالحَفْر في الشارع، ولو بني مسجدًا في شارع لا يتضرَّر به المارَّة، فيجوز (٣) ثم لم تعثَّر به إنسانٌ أو بهيمةٌ، أو سقَط جداره على إنسان، أو مَالَ، فأهلكه، فلا ضمان، إن كان البناءُ بإذن الإِمام، وإن كان بغير إِذنه، ففيه الخلاف.

ولو بني سقفًا في مسجدٍ، أو نصب عمودًا، أو طيَّن جدارًا، أو علق قنديلًا، فسقط على إنسان، أو مال، فأهلكه، أو فرش حصيرًا، أو حشيشًا، فتزلق به إنْسَانٌ، أو قذفت عينه بشَوْكة، أذهب ضوء البصر، فكذلك ينظر أجرى ذلك بإذن الإِمَامِ، أو من يتولى أمر المسجد، أو بدون الإذن، فيكون الحكم على ما بَيَّنا، وعن أبي حنيفة؛ أنه إن صدر ذلك من غير إِذْنِ أهلِ المحلَّة، وجب الضمان، قال في "التهذيب": وهو قول


(١) في ز: الاستبقاء.
(٢) وعليه جرى الإِمام والغزالي والذي أورده العراقيون وغيرهم أنه إن حفر بإذن الإِمام لم يضمن. انتهى.
(٣) وفيه إشكال لا يخفى، وعلى قياسه يجوز للإمام أن يأذن في فتح الباب في جدار المسجد لبعض الرعية ووضع الجذوع على حائطه الذي لا يضر وضع الجذوع عليه وهو بعيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>