لأن ضمان جناية المستولَدَة تكون عَلَى سيدها على ما سيأتي، إن شاء الله تعالَى، وتبين هناك أنَّ الذي يضْمَنه على الصحيح أقَلُّ الأمرين مِنْ أرشِ الجنايةِ، أو قيمة المستولَدَة، فعلَى كل واحدٍ أقلُّ الأمرين من قيمة مستوْلَدَتِهِ، ونصف قيمة مستولَدَة الآخر، فإن استوَى ما يستحقُّ كلُّ واحد منْهما، وعليه فهو من صُوَرِ التقاصِّ، ففيه أقوال التقاصِّ، وإلا رجع مستحِقُّ الزيادة على الآخر بالزيادة.
مثالُه: إحداهما تساوي مائتَيْنِ، والأخرَى مائةً، فصاحب النفيسةِ يستحقُّ مائةً، وصاحب الخسيسةِ يستحقُّ خمسين، فتذهب خمسونَ بخَمْسين، يفْضُل لصاحب النفيسة خمْسُونَ، ولو كانتا حاملتين، وماتتا، وأجهضتا الجنينيْن، فحكم القيمة ما ذَكَرْنا، وأما ضمان الجنينَيْن، ففي "التتمة": أنهما إن كانتا حاملَيْن برقيقين فعلَى سيِّد كلِّ واحدة، مع نصف قيمة الأخرى نصْفُ عشر قيمتها أيضاً، وذلك في مقابلة نصف الجَنِينَ؛ فإنَّ الجنين الرقيقَ يضْمَن بعُشْر قيمة الأُمِّ، وإن كانتا حاملَيْن بولدَيْن حُرَّيْن، فعلَى كلِّ واحد من السيِّدين مع نصف قيمة الأخرى غُرَّةٌ، نصْفُها لجنين مستولَدَته، ونصفُها لجنين الأخْرَى؛ لإهلاكهما الجنينَيْن؛ كما ذكرنا في الحرتين، وإن كانتا حاملتين بولدَيْن حُرَّيْن من السيدَيْن، وهو المرادُ مما أطلقه صاحبُ الكتاب، بل الجمهور، فنصفُ كلِّ جنين هدَرٌ؛ لأن المستولَدَة إذا جَنَتْ على نفسها، وألقت الجنين، فهو هَدَر عَلَى كلِّ واحد من السيدَيْن نصْفُ غُرَّة جنين الأخرى، وتصير الصُّورة من صور التقاصِّ، وإذا فضل لأحدهما شيْءٌ، أخذ تلك الزيادة.
المثال فيهما: قيمتُها مائتانِ، ومائةٌ؛ كما مَرَّ، وقيمة الغُرَّة أربعون، فصاحب النفيسة يستحقُّ مائة وعشرين، لكن قيمة الخسيسة مائةٌ، والصحيح أنَّ سيِّد المستولَدَة، لا يضْمَن إلاَّ أقَلَّ الأَمْرَيْن؛ على ما أشرنا إليه، فإذن ليس لَهُ إلاَّ مائةٌ، وصاحب الخسيسة يستحِقُّ عليه سبعين، نِصفُ مائةٍ وأربعين، فسبعون من المائة تصير قصاصاً بالسبعين، يبقَى على صاحب الخسيسةِ ثلاثُونَ، يأخذها صاحب النفيسة منْه، هذا إذا لم يكنْ لواحدٍ من الجنينَيْن وَارثٌ سوى أبيه، وقد يفرض للجنين مع الأب وارثٌ آخر، وهو الجَدَّة أُمُّ الأُمِّ لا غير، فإذا كان لكلِّ واحد من الجنينَيْن جَدَّة، فلكل واحدٍ منهما سُدُسُ الغُرَّة، نصفه على سيد بنتها، ونصفه على سيِّد الأخرى؛ وذلك لأن المستولَدَة إذا جَنَتْ على نفسها، ولَها أمٌّ حرةٌ، يغَرَّم السيدُ لها سُدُس الغُرَّة؛ كما يغرَّم جناية المستولدة على الأجانب، ثم الباقي الذي يستحقُّه كلُّ سيِّد على الآخَر يقع فيه التقاصُّ، فإنْ كان لأحدِ الجنينَيْن جَدَّة دون الآخر، فعلَى كلِّ واحد من السيدَيْن نصفُ سدسِ الغُرَّة لها ثم سيد التي ليس لجنينها جَدَّة يستحقُّ نصف الغرة على الآخر، والآخر يستحقُّ عليه نصْفَ الغُرَّة، إلا نصف سدسها، فيقع الربع والسدس في التقاصِّ، ويأخذ سيد من ليس لجنينها جَدَّة نصْفَ سُدُس الغُرَّة من الآخر.