للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن جَمِيعَ الدِّيَةِ على عَاقِلَتِهِ؛ اعتباراً بالطَّرَفَيْنِ؛ ولا ينظر إلى الحالة المتخللة.

والثاني: أن على عاقلته (١) أَرْشَ الجِرَاحَةِ، وما زاد على الأَرْشِ إلى تمام الدِّيَةِ في مالِ الجاني؛ لأنه حَصَلَ بعض السِّرَايَةِ في حالة الرِّدَّةِ، فيصير شُبْهَةً دَارِئَةً لِلتَّحَمُّلِ، وجَزَمَ جَازِمُون بوجوب الجميع على العاقلة، إذا قصر زمان الرِّدَّةِ المُتَخَلِّلَةِ، وخصصوا القولين إذا طَالَ زمانها.

قال في "التهذيب": ويجيء وَجْهٌ آخر أن على العَاقِلَةِ ثُلُثُيِ الدية لوجود الإِسْلاَمِ في الأول والآخر.

ولو رَمَى سَهْماً إلى صَيْدٍ وارْتَدَّ، فأصاب السَّهْمُ إنْساناً، أو رمى المُرْتَدُّ إلى صَيْدِ، فَأَسْلَمَ، فَأَصَابَ السهم، فالدِّيَةُ في ماله؛ لأنه تَبَدَّلَ حَالُهُ رَمْياً وإصَابَةً، وإنما يَتَحَمَّلُ عنه إذا كان بِصِفَةٍ يتحمل عنه في الحالتين، ولو تَخَلَّلَتِ الرِّدَّةُ بين الرَّمْي والإِصَابَةِ، فكذلك الجواب في "التهذيب" وفي شرح الشيخ أبي عَلِيٍّ أنهم خَرَّجُوا المسأَلة على قولين:

أحدهما: أنَّه تجب الدِّيَةُ على عَاقِلَتِهِ المسلمين، اعتباراً بِحَالَتَيِ الرَّمْيِ والإصابة.

والثاني: أنها تَجِبُ في ماله لا يتحملون منها شَيْئاً؛ لأنها حدثت حالة خرجوا منها عن أن يكونوا من أَهْلِ التَّحَمُّلِ، فصار شُبْهَةً دَارِئَةً، والله أعلم.

قال الغَزَالِيُّ: الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ: بَيْتُ المَالِ فَإذَا لَمْ نَجِدِ العُصُوبَةَ وَالوَلاَءَ أَخَذْنَا من بَيْتِ المَالِ إنْ كَانَ الجَانِي مُسْلِماً، فَإنْ كَانَ ذِمِّيّاً رَجَعْنَا إلَى الجَانِي.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: كما أن بَيتَ المال [مَصَبٌّ] (٢) للتركة إذا لم يكن للميت عَصَبَةٌ بالنسب، ولا بالوَلاَءِ، فكذلك يحتمل بَيْتُ المال جِنَايَةَ من ليس له عَصَبَةٌ بالنسب ولا بالوَلاَء، وكذلك لو كانت العَصَبَةُ معسرين، أو كان لا يفي التَّوْزِيعُ عليهم بالواجب، فيكون الباقي على بيت المال، وهذا كُلُّهُ فيما إذا كان الجَانِي مُسْلِماً، أما إذا كان ذِمِّيّاً، فلا يتحمل عنه بَيْتُ المال، بل تكون الدِّيَةُ على الجاني؛ لأنه إذا مات، وَلاَ وَارِثَ له لا يُوضَعُ مَالُهُ في بيت المال إِرْثاً، وإنما هو فَيْءٌ كالجِزْيَةِ، وسائر أنواع الفَيْءِ لا توضَعْ هي في بيت المال، ألا ترى أنَّه لا يُعْتَبَرُ فيه مَوْتُ من كان مَالِكاً لها، والمستأمن في ذلك كالذِّمِّيِّ، وإذا أوجبنا الدِّيَةَ على الذمي لِعَدَمِ العَاقِلَةِ، فهل يتحمل أبوه وابنه؟ فيه وجهان كالوَجْهَيْنِ فيما إذا لم يكن للجاني المسلم عَاقِلَةٌ، ولا في بَيْتِ المال مَالٌ، وقلنا بوجوب الدِّيَةِ على الجاني، فهل يوجبُ على أبيه وابنه أيضاً، وسنذكرهما، والمُرْتَدُّ لا


(١) في ز: العاقلة.
(٢) في أ: بياض.

<<  <  ج: ص:  >  >>