للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذميين، ولو كان للذمي أَقَارِبُ في دَار الحرب، فلا يَتَأَتَّى الضَّرْبُ عليهم، وهم كالمَعْدُومِينَ. قال في "التتمة": فإن قَدَرَ الإِمَامُ على الضَّرْبِ عليهم، فَيَنْبَنِي (١) على أن اخْتِلاَفَ الدَّارِ، هل يمنع التَّوَارُثَ؟ إن قلنا: نعم، فَيَمْتَنِعُ الضرب أيضاً.

وإن قلنا: لا، ففيه وجهان، لانْقِطَاع المُنَاصَرَةِ باختلاف الدَّارِ، والمُعَاهَدُ كالذِّمِّيِّ، فيتحمل عنه الذِّمِّيُّ، ويحتمل هو عن الذِّمِّيِّ إذا زادت مُدَّةُ العَهْدِ على أَجَلِ الدِّيَةِ، ولم يَنْصَرِمْ قبل مُضِيِّ الأجَلِ.

والرابعة: الحُرِّيَّة، فلا تُضْرَبُ الدِّيَةُ على الرَّقِيقِ، أما غير المُكَاتَبِ فلأَنه لا مَالَ له، وأما المُكَاتَبُ، فلأنه ليس من أَهْلِ المُوَاسَاةِ، ومطلق المَرَضِ والكِبَرُ لا يَمْنَعَانِ ضَرْبَ الدِّيَةِ، لكن من الضَّرْبِ على الزَّمِنِ والهَرِمِ وَجْهَانِ:

أحدهما: المَنْعُ؛ لضَعْفِ حالهما وَعَجْزِهِمَا عن النُّصْرَةِ (٢).

وأظهرهما: الضَّرْبُ لِعُصُوبَتِهِمَا وَأَهْلِيَّةِ نُصْرَتِهِمَا بالرأي والمال، ويحكي الأول عن ابن أبي هُرَيْرَة، والقَطْعُ بالثاني عن الشيخ أبي حَامِدٍ، وربما بُنِيَ الخِلاَفُ على الخِلاَفِ في أن الزَّمِنَ والشيخ من الكُفَّارِ إذا أسِرَا هل يُقْتَلاَنِ؟ ويجري الخلاف في الأَعْمَى. وقوله في الكتاب: "وإن كانت مُعْتقةً" مُكَرَّرٌ، فقد مَرَّ أن المَرْأَةَ، إذا أعتقت لا (٣) يضرب عليها. وقوله: "والحَرْبِيُّ لا يَتَحَمَّلُ" يجوز أن يُعْلَمَ (٤) بالوَاوِ، لما ذَكرْنَا.

الخامسة: أَلاَّ يَكُونَ فَقِيراً، بل مُتَوَسِّطاً أو مُوسِراً؛ لأن تَحَمُّلَ العَقْلِ مُوَاسَاةُ، والفقير ليس أَهْلاً لِلْمُوَاسَاةِ، وكذلك لم يُكَلَّفْ بالزكاة، وتُخَالِفُ الجزْيَةُ؛ لأنها كالأُجْرَةِ لِسُكنَى الدار؛ ولأنها لِحَقْنِ الدَّمِ.

وعن أبي حنيفة: أن الدِّيةَ تُضْرَبُ على الفقير أيضاً، ويروى عنه أنها تُضْرَبُ عليه بِشَرْطِ أن يكون مُعْتَمِلاً قادراً على الكَسْبِ، وهذا ما قصد الإشَارَةَ إليه بقوله في الكتاب: "إن كان مُعْتَمِلاً". ثم في الفصل مسألتان:

إحداهما: فيما يُضْرَبُ على كُلِّ واحد من (٥) العَاقِلَةِ، قال الأئمة: لا يُجْحَفُ بهم، ولا يُشَقُّ عليهم، بل يُحَمَّلُونَ ما يَسْهُلُ عليهم، فَيُضْرَبُ على الغَنِيِّ نِصْفُ دينار، وعلى المُتَوَسِّطِ رُبُعُ دِينَارٍ، ووجه التقدير بالنصف بأنه أول دَرَجَةِ المُوَاسَاةِ [في الزكاة، والتقدير بالربع أن المواساة] (٦) لا تحصل بما دُونَهُ؛ لأنه تَافِهٌ؛ بدليل أنَّه لا يُقْطَعُ فيه السَّارِقُ، ويروى عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "ما كانَتِ اليَدُ تُقْطَعُ على عَهْدِ


(١) في ز: فنبني.
(٢) في ز: بالزاد.
(٣) في ز: لم.
(٤) في ز: يعلمها.
(٥) في ز: في.
(٦) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>