للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأراد بقوله: "بَدَأَ فيه التَّخْطِيطُ" ما إذا ظَهَرَ ذلك لِكُلِّ أَحَدٍ، وبقوله: "وإذا أَدْرَكَتِ القَوَابِلُ" ما إذا ظَهَرَ لأهل الخِبْرَةِ دون جَمِيعِ الناظرين وقوله: "ولا شَيْءَ في إجْهَاضِ المُضْغَةِ والعَلَقَةِ قبل التَّخْطِيطِ على الأَصَحِّ" أي: قبل ظهور الصُّورَةِ لِأَهْلِ الخِبْرَةِ وغيرهم، ولفظ الكتاب يَقْتَضِي إِثْبَاتَ الخِلاَفِ في العَلَقَةِ، والجمهور سَكَتُوا عنه، وقالوا: لا يجب في إِلْقَاءِ المُضْغَةِ الغُرَّةُ، ولا تَنْقَضِي به العِدَّةُ، وإنما اختلاف الطرق (١) في اللَّحْمِ، والله أعلم.

قال الغَزَالِيُّ: ثُمَّ فِي الجَنِينِ الحُرِّ المُسْلِمِ غُرَّةٌ، وَفِي الجَنِينِ الكَافِرِ ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا): غُرَّةٌ وَلاَ يُبَالِي بِالتَّسْوِيَةِ (وَالثَّانِي): ثُلُثُ الغُرَّةِ (وَالثَّالِثُ): لاَ يَجِبُ شَيْءٌ، فَإِنْ قُلْنَا بِالثُّلُثِ فَالمُتَولِّدُ مِنْ نَصْرَانِيِّ وَمَجُوسِيِّ قِيلَ: إنَّهُ يُؤْخَذُ بِالأخَفِّ، وَقِيلَ بِالأَغْلَظَ، وَقِيلَ: العِبْرَةُ بِجَانِبِ الأَبِ، وَلَوْ جَنَى عَلَى ذِمَّتِّةٍ فَأسْلَمَتْ ثُمَّ أَجْهَضَتْ فَغُرَّةٌ كَامِلَةً نَظَراً إلَى حَالِ الانْفِصَالِ، وَلَوْ جَنَى عَلَى حَرْبِيَّةٍ فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ أَجْهَضَتْ فَفِي ضَمَانِ الجَنِينِ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ رَمَى إلَى حَرْبِيِّ فَأَسْلَمَ قَبلَ الإِصَابَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الغُرَّةُ الكَامِلَةُ إنما تَجِبُ في الجنين المَحْكُوم له بالإِسلام، إِمَّا تَبَعاً لأَبوَيْهِ أو لأحدهما، وبالحُرَّيَّةِ إذا كانت الأم حُرَّةً، وقد يكون الولَد حُرّاً مع رِقِّ الأُمِّ في نِكَاح الغُرورِ وغيره، أما الجَنِينُ المَحْكُومُ له باليهودية أو النَّصْرَانِيَّةِ تبعاً لأبويه (٢)، فقد أطلق فيه ثلاثة أَوْجُهٍ:

أحدها: أنه تجب غُرَّةٌ، ولا نُبَالِي بالتَّسْوِيَةِ بينه وبين الجَنِينِ المسلم؛ لأنه لا سَبِيلَ إلى الإِهْدَارِ، ولا إلى تَجْزِئَةِ الغُرَّةِ، وقد يحتج له بِظَاهِرِ ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قضى في الجَنِينِ بالغُرَّةِ (٣).

وثانيها: أنه لا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لأنه لا يمكن التَّسْوِيَةُ بينه وبين الجَنِينِ المسلم، كما لا يُسَوَّى بين المُسْلِمِ والكَافِرِ في الدِّيَةِ، والتَّجْزِئَةُ مُمْتَنِعَةٌ، وامتناع التَّجْزِئَةِ في الوجهين مَبْنِيٌّ على أن الغُرَّةَ غير مُقدَّرَةٍ بالقيمة.

وأصحها: وهو مَبْنِيٌّ على أن الغُرَّةَ مُقدَّرَةٌ أنه يَجِبُ في الجَنِينِ اليَهُودِيِّ والنصراني ثُلُثُ ما يجب فيِ الجنين المُسْلِمِ، كما أن دِيَةَ اليَهُودِيِّ والنِّصْرَانِيِّ ثُلُثُ دية المُسْلِم، وهذا هو الذي أَوْرَدَهُ المُعْظَمُ، وسنذكر أنَّ الغُرَّةَ الواجبة في الجَنِينِ المُسْلِم مُقَدَّرَةٌ بنصف عُشْرِ دِيَةِ الأَبِ، أو عشر دية الأم، وهو خَمْسٌ من الإِبِلِ أو خمسون دَينَاراً أو


(١) في ز: الاختلاف في الطرق.
(٢) في ز: لأبيه.
(٣) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>