للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن حَبِلَتْ بعد الارْتدَادِ مُرْتَدٍّ، فيبنى على أن المُتَوَلِّدَ من المرتدين (١) مسلم أو كافر؟ إن قلنا: مُسْلِمٌ، وَجَبَتْ فيه الغُرَّةُ.

وإن قلنا: كافر، فهو كجنين الحَرْبِيِّينَ، لا يجب فيه شيء على الجَانِي.

هكذا ذكره الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ وغيره. وفي "التهذيب" أن من لم يجعل المَوْلُودَ بين المرتدين مسلماً أوجب (٢) فيه ما يَجِبُ في جنين المَجُوسِيَّةِ كان من يذهب إليه يثبت له حرمة؛ لبقاء عُلْقَةِ الإِسْلاَمِ، فيوجب فيه أَخَسَّ (٣) ما يجب في الأَجِنَّةِ.

ثم في الفصل صورتان:

إحداهما: جَنَى على ذمية حُبْلَى تحت ذِمِّيِّ، فأسلمت، أو أَسْلَمَ الذمي، ثم أجْهَضَتْ وجبت غُرَّةٌ كاملة؛ لأن الاعْتِبَارَ في قَدْرِ الضَّمَانِ بالمال، ولذلك قلنا بوجوب الدِّيَةِ الكاملة إذا جَرَحَ ذمياً، فَأسْلَمَ ثم مات، وكذا الحُكْمُ إذا جَنَى على أَمَةٍ حُبْلَى، فَعُتِقَتْ، ثم ماتت. وما الذي يَسْتَحِقَّهُ من ذلك؟ فيه وجهان أو قولان:

المشهور منهما: أن المستحق له الأَقَلُّ من عُشْرِ قيمة الأمَةِ، ومن الغُرَّةِ؛ لأنه إن كانت الغرة أقَلَّ، فلا وَاجِبَ غيرها، وإن كان العشر أقل (٤)، فهو المستحق للسيد، وما زاد زاد بالحُرِّيَّةِ.

والثاني -وبه قال أبو الطيب (٥)، ويُحْكَى عن القَفَّالِ أيضاً- أنه لا يستحق السيد بحكم المِلْكِ شيئاً؛ لأن الإجْهَاضَ حَصَلَ في حال الحرية، وما يجب إنما يجب بالإجْهَاضِ فَأَشْبَهَ ما إذا حَضَرَ بِئْراً فَتَرَدَّى فيها حُرٌّ كان رقيقاً عند الحَفْرِ، لا يستحق السَيد من الضمان شيئاً.

الثانية (٦): إذا جَنَى على حَرْبِيَّةٍ، فأسلمت ثم أَجْهَضَتْ، هل يجب الضَّمَانُ فيه وجهان:

أحدهما -وبه قال ابن الحَدَّادِ-: لا يجب شيء؛ لأنه لم يكن مَعْصُوماً في الابتداء.

والثاني: يجب غُرَّةٌ كاملة؛ اعْتِبَاراً بحالة الإِجْهَاضِ، فإن الجِنَايَةَ حينئذ تَتَحَقَّقُ (٧).


(١) في ز: المرتد من.
(٢) في ز: أوجد.
(٣) في ز: أحسن.
(٤) في ز: الأقل.
(٥) واعلم أن القاضي أبا الطيب نقل ذلك عن نص الشَّافعي فقال بعد أن حكى عن الأصحاب اعتبار الأقل: وهذا لا يصح عندي لأن الشَّافعي نص على أن المولى لا يستحق شيئاً من الغرة.
(٦) في ز: الثالثة.
(٧) قال النووي: قال البغوي: يجري الوجهان فيما لو جنى السيد على أمته الحامل من غيره، فعتقت، ثم ألقت الجنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>