للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتوجَّه عليهم حجَّة، ومع أنهم حلَفُوا على أنه لا شيْء عليهم، والدليلُ على أنه يبدأ بيمين المُدَّعِي ما رُوِيَ عن سهْل بن أبي خثمة أن عبد الله بن سهْلٍ ومحيصة بن مسعود -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- خرجَا إلى خيبر فتفرَّقا لحاجتهما، فقُتِلَ عبْدُ الله، فقال محيصةُ لليهود: أنتم قتلتموه، فقالوا: ما قتَلْنَاه، فانطلَقَ هو وأخُوه حويصة وعبد الرحمن بن سهل أخُو المَقْتُول -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- إلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فذكَرُوا لهُ قتْل عَبْدِ الله بْنِ سَهْل، فقال: تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ نَشْهَدْ، وَلَمْ نَحْضُر، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فَيَحْلِفُ (١) لَكُمُ اليَهُودُ، فَقَالُوا: كَيْفَ نَقْبلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فذكر أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَدَاهُ مِن عِنْدِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ بِمائَةِ ناقَةٍ، قَالَ سَهْلٌ: لَقَد رَكَضَنِي مِنها ناقَةٌ حَمْرَاءٌ (٢) ويروى [فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُنْفَعُ ألِيكم بِرمَّته ويروى] (٣) أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "البَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِي، والْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إلاَّ في القَسَامَةَ" (٤) هذا هو القول الجُمَليُّ في القسامة، وإذا طلبتَ التفْصيل احتجْتَ إلى معرفة محَلِّ القسامة، ومظَنَّتها، ثم إلى معرفة كيفيتها، ثم إلى معرفة حُكْمها وفائدتها، ثم معرفة مَنْ يُقْسِم، فهذه أركان النَّظَر في الباب، فلذلك قال في الكتاب: "وفيها أربعة أركان، الركن الأول مظنتها" وفيه ثلاثة قيود:


(١) في ز: يحلف.
(٢) الحديث بطوله متفق عليه، من حديث سهل: انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر وهي يومئذ صلح، فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلاً، فدفنه، ثم قدم المدينة الحديث بطوله في القسامة، وأخرجاه أيضًا من حديث سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج، وفي رواية لمسلم: عن سهل عن رجل من كبراء قومه به، وله ألفاظ عندهما، وذكر البيهقي أن البخاري ومسلمًا أخرجاه، من رواية الليث وحماد بن زيد وبشر بن المفضل كلهم، عن يحيى بن سعيد، واتفقوا كلهم على البداية بالأنصار، ورواه أبو داود من رواية ابن عيينة عن يحيى بلفظ: أفتبرئكم يهود بخمسين يمينًا يحلفون أنهم لم يقتلوه، فبدأ بذكر اليهود، وقال إنه وهم من ابن عيينة، وأخرجه البيهقي من طريقه وقال: إن مسلمًا أخرجه ولم يسق متنه، وقد وافق وهيب بن خالد: ابن عيينة على روايته، أخرجه أبو يعلى (فائدة) استدل الرافعي بعد ذلك على وجوب القصاص بها، وهو القول القديم، بقوله في رواية: يحلف خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع إليكم برمته، وهو متفق عليه، واستدل على المنع وهو الجديد بقوله في رواية لمسلم: إما أن تدوا صاحبكم، وإما أن تؤذنوا بحرب.
(٣) رواه الدارقطني والبيهقيُّ وابن عبد البر من حديث مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به، قال أبو عمر: إسناده لين، وقد رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو مرسلاً، وعبد الرزاق أحفظ من سلم بن خالد وأوثق، ورواه ابن عدي والدارقطني من حديث عثمان بن محمَّد عن مسلم، عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة، وهو ضعيف أيضًا، وقال البخاري: ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب، فهذه علة أخرى.
(٤) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>