للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: القتل؛ فلا قسامة في إتْلاف الأمْوال، ولا فيما دُون النَّفْس من الجراحاتِ والأطرافِ بل القول فيها قولُ المُدَّعَى عليه مع يمينه، سواء كان هناك لَوْثٌ أو لم يكُنْ، لأن البداية بيمين المُدَّعِي خلافَ القياس والنصِّ، وإنما وَرَدَ في النفْس، وحرمةُ النفس أعظمُ من حرمة الأطرافِ، ولذلك افترقا في وجوب الكفَّارة، فلا تلحق غير النفْس بالنفْس، وفي "جمع الجوامع" للقاضي الروياني أن بعض أصحابنا ذَكَر في الخلافيَّات وجهًا آخر في الأطْرَاف، وغلَّط قائله، وبنى على المذْهَب أنه لو جرح مُسْلِمٌ فارْتدَّ، ثم مات بالسراية، لم تجز القَسَامةُ؛ لأن الواجب ضمان الجراحة، والنفسُ صارتْ مهدرةً ولو عاد إلى الإسْلام، ثم مات جرتِ القَسَامةُ، سواءٌ أوجبنا كمال الدية أو لم نوجبْها؛ لأن الواجِبَ بدَلُ النفْس، وكذا الحكْم فيما لو جرح ذميٌّ فنقض العهد ثم مات أو جدَّد العهْد، ثم مات.

الثاني: مصادفة القَتْل الحُرَّ، فلو قتل العبْدُ، وهناك لوْثٌ، فادعى السيِّد على حرٍّ أو عبْدٍ أنه قتله، فهل يُقْسِم؟ فيه طريقان:

أشهَرُهما: أنه على القولَيْن في أن بدل العبد هل تحمله العاقلة، إن قلْنا: لا، فقَد ألحقناه بالبهائم وسائر الأموال، فلا (١) يجري في قتله القسامة، وإنْ قلنا: نعم، وهو الأصح، فيُقْسِم السيِّد، وهو المنصوص، وبه قال أبو حنيفة.

والثاني: القَطْع بأنه يُقْسِم، ولا يُخَرَّج على الخلاف في التحمُّل، وبه قال القاضي أبو حامد؛ وذلك لأنَّ القسامةَ لحفْظ الدماء وصيانتها، وهذه الحاجةُ تشمَلُ العبيد والأحرار، فأشبهتِ القسامةُ القصاصَ ووجوب الكفَّارة، وتَحمُّل العقْلِ لقطْع الفتنة، فإنَّ أولياء القتيل يَقْصِدُون الجاني وقومه، إذا لم تصلْ حقوقُهم إليهم، وقد لا تستقلُّ العاقِلَة بإيصال حقوقهم، فأمروا بالتحمُّل حسمًا لمادة الفتنة، [ولا يخاف من السيِّد الفتنة]؛ فإنَّ مقصود الساداتِ من العبيدِ المالية وإذا قلنا بالأصحِّ، فحُكم المدبَّرة والمستولَدَة حُكْم القِنِّ، وكذا المكاتَب؛ لأنَّ الكتابةَ تنفسخ بالمَوْت، وإذا أقسم السيِّد، فإن كانت الدعوَى على حُرٍّ، أخذت الدية من ماله في الحال، إن ادَّعَى العمْد المحْض، وإن ادَّعَى الخطأَ أو شبْه العَمْد، أخذها من عاقلة في ثلاث سنين، وإن كانتِ الدعوَى على عبْدٍ، فإن ادَّعَى العمْد المحض، ففي القصاصِ الخلافُ في ثبوت القصاص بالقَسَامة، وإذا قلْنا بالمنع، وهو الصحيح، أو كان قد ادَّعَى الخطأ أو شبه العمد، تعلَّقت القيمة برقبته.

وذكر الرويانيُّ أنَّ المُحامليَّ حكَى في "المقنع" قولاً أنّ العاقلةَ تتحمَّل من العمْد جنايته الخطأ، وحمله على خطأ (٢) الكاتب.


(١) في ز: فلا يجزئ.
(٢) في ز: غلط.

<<  <  ج: ص:  >  >>