للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاحتمال الفقر والحاجةِ غيْرُ مستبعد، كما أن احتمال الغني [غير] (١) مستبعد، والأظهر عند الأكثرين طريقةُ التقرير، وبها: قال أبو إسحاق، ولهم أن يجيبوا عما ذَكَرَه بأن الإنسان يطلب غنى نفسه وتدبير أسبابه، ويتحيل مساعدة القَدَر والظَّفَر بالمقصود، ولا يطلب فقْرَ (٢) غيره، ولا يسعى فيه، فتكون التهمةُ المَبْنِيَّةُ على تقدير غِنَاهُ أظْهَرَ من التهمة المَبْنِيَّة على فَقْرِ الغَيْر، وتُقْبَل شهادة العاقلة على فِسْق بينة القتل، وبينة الإقرار بالقَتْل الخطأ؛ لأن الدية لا تلزمهم، وإن حكمنا بالبينتين، فلم يكونا دَافِعَتَيْنِ.

وقوله في الكتاب: "وقيل في القريب والبعيد [قولان"] (٣) يعني في القريب الفقير، وفي البعيد، والأحسن أن يقال: "وقيل في الفقير والبعيد" [والله أعلم].

قال الغَزَالِيُّ: وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلَيْنِ بِالقَتْلِ فَشَهِدَ المَشْهُودُ عَلَيْهِمَا بِأَنَّهُمَا قَتَلاَ هَذَا القَتِيلَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُمَا دَافِعَانِ وَمُبَادِرَانِ قَبْلَ الاسْتِشْهَادِ، وَشَهَادَةُ الحِسْبَةِ لاَ تُقْبَلُ فِي حَقِّ الآدَمِيِّينَ عَلَى أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ، فَإِنْ صَدَّقَهُمَا المُدَّعِي بَطَلَ حَقَّهُ لِتَنَاقُضِ دَعْوَاهُ، وَلَوْ شَهِدَا عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِالقَتْل فَهْمَا دَافِعَانِ وَمُبَادِرَانِ، وَلَوْ شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِالقَتْلِ فَهُمَا مُبَادِرَانِ وَلَيْسَا دَافِعَيْنِ فَيُخَرَّجُ عَلَى شَهَادَةِ الحِسْبَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا شهد اثنان على رجلَيْن؛ أنهما قتلا فلاناً، فشهد المشهود عليهما أن الأوَّلَيْنِ قتلاه، قال الشافعيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- والأصحابُ: يُسْأل الوليُّ، فإن صَدَّق الأوَّلَيْنِ دون الآخَرَيْن، ثبت القتل على الآخَرَيْن بشهادة الأوَّلَيْن، ولا تُقْبَل الشهادة (٤) على الأولين؛ لأن الوليُّ يكذِّبهما، ولأنهما يدفعان بشهادتهما ضَرَرَ مُوجِبِ القتل الذي شهد به الأولان، والدافع مُتَّهَمٌ في شهادته، ولأنهما [صَارَا] (٥) عدوَيْنِ للأولَيْن بشهادتهما عليهما، وشهادة العدُوِّ على العدوِّ لا تقبل، وإن صدَّق الآخرَيْنِ دون الأولَيْن، بَطَلَت الشهادتان، أما شهادة الأولَيْن، فإنَّ تصديق الآخرَيْن يتضمن تكذيبهما، وأما شهادة الآخرين، فللمعنيَيْنِ الدفْعِ والعداوةِ، وإن صدَّق الفريقَيْن جميعاً، فكذلك تَبْطُل الشهادتان؛ لأن في تصديق كل فريق تكذيباً للآخر، وإن كذبهما جميعاً، فهو اظهر، واعترض على تصوير المسألة أن الشهادةَ على القَتْل لا تُسْمَعُ إلا بعد تقديم الدعوَى ولا بد في الدعوَى من تعيين القاتل، فكيف يُسْأَلُ المدعِي بعد شهادة الفريقين، وأُجِيبَ عنه بوجوه:

أحدها، عن أبي إسحاق: أن تقديم الدعوى على الشهادة إنما يُشْتَرط إذا كان


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: ففي.
(٣) سقط في ز.
(٤) في ز: شهادة الآخرين.
(٥) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>