للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُدَّعِي ممن يعبِّر عن نفسه، فأما مَنْ لا يعبر؛ كالصبيِّ والمجنون، فتجوز الشهادة لهم قبل الدعوَى والشهادة هاهنا لمن لا يعبر عن نفسه، وهو القتيل؛ ألا ترى أنه إذا ثبتت الديةُ، قضَى منها ديونَهُ، ونفذت وصاياه، وهذا ذهاب إلى أن شهادة الحِسْبَةِ تُقْبَلُ في الدماء، وهو وَجْه سيأتي -إن شاء الله تعالى ذكْرُه- في "الشهادات" لا مع وجْه آخر، وهو قَبُولُها في "الأموال" أيضاً، وظاهر المذْهب أنَّها لا تقبل في حقوق الآدميين المحْضَة أصلاً.

والثاني: قال قائلون: المسألة مصوَّرةٌ فيما إذا لم يعْلَم الوليُّ القاتلَ (١)، والشهادةُ قبل الدعوى مسموعةٌ، والحالةُ هذه، ويُحكَى هذا عن الماسرجسي والأستاذ أبي طاهر، وهو وجه يذكر في "الشهادات" أن شهادة الحسبة لا تقبل، إن علم المستحقُّ بالحق؛ وإن لم يَعْلَم، فتُقْبَل.

والأصحُّ: المنع، ويخبر الشاهدُ المستحِقَّ حتى تُقدِّم الدعْوَى، ثم يشهد الشاهد.

والثالث: قال الأصحاب تفريعاً على أن الشهادة لا تقبل إلاَّ بعد تقديم الدعوى، وهو الصحيح: صورة المسألة أن يدَّعِي القتْل على اثنين، ويشهد بذلك شاهدانِ، فيبادر المشهودُ عليهما، ويشهدا على الشاهدَيْن بأنهما القاتلان، وذلك يورِثُ رِيبَةً وشُبْهَةً للحاكم، فيراجع الوليَّ، ويسأله احتياطاً، وحينئذ، إن استمر عَلَى تصديق الأولَيْن، ثبت القتل على الآخرَيْن، وان صدَّق الآخرَيْن أو صدقَهُم جميعاً، بطَلَ الدعوتان لتناقضهما، وبطلت الشهادات، ولو كان المدعي وكيل للوليِّ، نُظِرَ؛ إن كان قد عيَّن الآخَرَيْن، وأمره بالدعوَى عليهما، ففعل، وأقام عليه شاهدَيْن، فشهد المشهودُ عليهما على الشاهدَيْن، فإن استمر الوكيلُ على تصديق الأوَّلَيْنِ، ثبت القتل على الآخرَيْن، وان صدَّقَهم جميعاً أو صدَّق الآخَرَين، انعزل عن الوِكَالَةِ، ولا تبطل دعْوَى الموكّل على الآخرين، وان لم يعيِّنْ للوكيل أحداً، ولكن قال: ثأري عند اثنين من هؤلاء الجماعة، فادَّع عليهما، واطْلُبْ ثَأْرِي منهما، ففي صحَّة التوكيل هكذا وجهان مذكوران في "التهذيب". قال: وعلى تصحيحه يعْمَلُ الحُكَّامُ، والخلاف نازع إلى الخلاف المذكور فيما إذا قال: وَكَّلْتُك لمخاصمة خَصْمي أو هو هو، وعلى تصحيحه ينطبق ما حُكِيَ عن صاحب "التقريب" وأبي يعقوب الأبيوردي؛ أن المسألة في أصلها مصوَّرة فيما إذا كان قد وكَّل وكيلَيْن بطلب الدم، فادَّعَى أحدهما على اثنين والآخر على آخرَيْن، وشهد كلُّ اثنين على آخريْن، وإذا عيَّن الوكيلُ شخصَيْن، والتوكيلُ منهم كما صوَّرتا، وأقام عليهما شاهدَيْن، وشهد المشهودُ عليهما على الشاهدَيْن، والوكيل على تصديق الأوَلَيْن، يثبت


(١) في ز: القائل.

<<  <  ج: ص:  >  >>