للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الإحصان والتحصينُ في اللغة: المنع، قال الله تعالى: {لِتُحْصِنَكُمْ من بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: ٨٠] وقال عَزَّ وَجَلَّ: {فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ} [الحشر: ١٤].

ورد في الشَّرْع بمعنى الإسْلام، وبمعنى العقْل والبلُوغ، وكلٌّ منهما قد قيل في تصير قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} [النساء: ٢٥]، وبمعنى الحرية، ومنْه قوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] يعني الحرائر، وبمعنى التزوُّج، ومنه قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] يعني المنكوحات"، وبمعنى العِفَّة عن الزِّنا، ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] وبمعنى الإصابة في النِّكاح. ومنه قوله تعالى: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: ٢٤] قيل مصيبين بالنِّكاح، ويقال: أَحْصَنَتِ المرأةُ أي عفَّت وأحْصَنَها زوْجها، فَهِيَ محصنة، وأحْصَنَ الرجلُ تَزوَّج، ويعتبر في الإحصان المعتبر لوجوب الرجْم بالزنا ثلاثُ صفاتٍ:

إحداها: التكليفُ، فالصبيُّ والمجنون ليسا بمحصَنَيْنِ، ولا حدَّ عليهما؛ لأن فعلهما ليْس بجناية، حتى يناط به عقوبة.

والثانيةِ: الحرِّيَّةُ، فالرقيقُ ليس بمُحْصَنٍ، فلا يرجم بالزنا أصاب في نكاح صحيحٍ أو لم يُصِبُ، ويساوي في ذلك القِنُّ والمُدَبَّر والمُكَاتَب وأمُّ الولد، ومَنْ بعضُه رقيق، قال في "التتمة": والمعنى في اعتبار الحرية أن العقوبة تتغلَّظ بتغلظ الجناية، والحريةُ تغلِّظ الجناية من وجهَيْن:

أحدهما: أنها تمنع من الفواحش؛ لأنَّها صفة كمال وشرَف، والشريفُ يصون نفسه عما يدنِّس عرْضه، والرقيق مبْتَذَلٌ مهانٌ لا يتحاشَى، عما يَتحاشى منه الحُرّ، ولذلك قالت هنْد عند البيعة: أو تَزْنِي الحُرَّةُ؟.

والثاني: أنها توسِّع طريق الحلال؛ ألا ترى أن الرقيقَ يَحْتاج في النكاح إلى إذْن السيِّد، ولا ينكح إلا امرأتَيْن بخلاف الحرِّ، ومن ارتكب الحرام مع اتساع طريقِ الحَلال، كانت جنايتُهُ أغْلَظَ.

والثالثة: الإصابة في نكَاحٍ صحيحٍ، قال في "التتمة" والمعنى في اعتبارها أن الشهْوة مركَّبة في النُفوس، فهذا أصاب في النكاح، فقد نال اللذَّة، وقضى الشهوة فحقه أن يمتنع عن الحرام، وأيضاً، فإن الإصابة تكمل طريق الحلال؛ من حيث إن النكاح قبل الدخول يزُولُ (١) بالطَّلْقَة الواحدة، وبمجرَّد اختلاف الدِّين وبعد الدخول بخلافِه


(١) في ز: بائن.

<<  <  ج: ص:  >  >>