للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَوَاهَا في الحِرْز، فقد مَلَكَها عنْده، وقال في الثوب المشقوق: إذا كان يبلغ نصاباً يَتخيَّر المالك بين أن يأخُذَه، ولا يطالب بالأرش، وبين أن يتركه على السارق، ويطالبه بكمال قيمته، فإن أخذه، ولم يطالب بالأرش، قُطِعَ، وإلا لم يقطع؛ بناءً على أن القَطْع والغُرْمِ لا يجتمعان، وقد يُفْرّق بين الشق طُولاً [وبين] (١) الشَّقِّ عَرضاً، ويُجعل الشقّ طولاً مهلكاً.

الرابعة: إذا ادَّعَى السارق المِلْكَ فيما أخذه على صورة السرقة، فقال: كان المأخوذ منْه، غَصَبَة مني أو مِنْ أَبِي، أو كان وَدِيعَةً عنْده أو عارية، أو كُنْتُ اشترَيْتُه مِنْه، أو وَهَبَه منِّي أو أَذِنَ لي في أخذه، فلا يُقْبَل قولُه في المال، بل يصدَّق المأخوذ منه بيمينه في نفْي الغصْب والبيْع والهبة، وبلا يمين في قوله "أَذِنَ لِي في أَخْذِ مالِه" فإنهما متفقان على أن المال لَهُ، فيرد عليه، وهل يَسْقط القطْع بدَعْوَى المْلك؟

المنصوص وبه قال أكثر الأصحاب: نعم؛ لأن ما يدَّعيه محتملٌ، والقطْع يَسْقُط بالشبهة، ولأنه صار خصماً في المال؛ ألا ترى أنه لو نَكَل المأخوذ منه وحَلَف السارق، استحق المال، ولا قطْع، فكيف يُقْطَع في مال هو خصمٌ فيه؛ ويُروَى عن الشافعيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنه سمَّى هذا المدَّعِي السارقَ الظَّرِيفَ، وفيه وجْه أو قولٌ مخرَّج عن رواية أبي إسحاق المَرْوَذِيِّ أو تصرُّفه: أنه لا يَسْقُط القطْع بمجرَّد الدعوى، كيلا يتخذ ذلك [حيلة و] (٢) ذريعةً إلى دفْع الحدِّ، قال الرويانيُّ في "الحلية": ولهذا وجه في زمان الفساد، [والله أعلم].

وفي موضع الخلاف في دعوى السارق المِلْك كَلامٌ يذكره في آخر النَّظَر الثاني من "كتاب السرقة"؛ لأن صاحب الكتاب أعاد المسألة هناك، وتكلَّم في موضع الخلاف فيها، ويجري الخلاف فيما إذا ادَّعَى السارقَ أن المسروقَ منْه عبده، وهو مجهول النَّسَب أو أن الحِرْز ملْكُه غَصَبَه [منه] المسروق منْه، وفيما إذا شهد عليه شهودٌ [بالزنا]، فادَّعَى أن المرأة زوجتَه أو كانَتْ أمةً، فقال: باعها مالِكُها مِنِّي، ورأى الإِمام الظاهرَ في حدِّ الزنا: أنه لا يَسْقُط بهذه الدعوَى، بخلاف القطْع بناءً على أن الظاهر فيما إذا قامَتْ بينة على أن فلاناً زَنَى بجارية فلانٍ الغائبِ، ولا ينتظر حضُور الغائِب، بخلاف مثله في السرقة؛ على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى، ولا يجري الخلاف فيما إذا قطع يد إنسان وادَّعَى أنه أَذِنَ لي في قطْعها بَلْ يقتص منه بلا خلاف؛ لأن القطع حقُّ الآدميِّ، وهو بمثابة المالِ، هاهنا، ولو أقر المسرُوقُ منْه بأن المال كان ملكاً للسارق، فلا قطْع بلا خلاف؛ لأن السارق إنما يُقْطَع عند الخصومة، وقد سقَطَتَ المخاصمة، وإذا فرَّعنا على


(١) سقط في ز.
(٢) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>