للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أنه يقطع أيضاً، كَمَالِ الصدقة.

وأصحُّهما: المنع؛ لأنه قد يُصْرَف ذلك المال إلى عمارة المساجدِ، والرباطات والقناطر، فينتفع بها الغنىُّ والفقيرُ، هذا إذا كان السارق مسلماً، أما إذا سرق ذميٌّ من مال المصالح، فالمشهور، وبه قال صاحب "التقريب": أنه يُقْطع؛ لأنه مخصوصٌ بالمسلمين، ولا نَظَر إلى إنفاق الإِمام عليهم عند حاجتهم؛ لأنه إنما ينفق للضرورة، وبشرط الضمان، وذلك لا يُسْقِط القطع، كما أنه ينفق على المضطر من بيت المال [بشرط الضمان،] (١) ولو سَرَق في غير حالة الاضطرار، وجب القطع، ولا نَظَر إلى انتفاعه بالقناطر والرباطات؛ لأنه ينتفع بها تبعاً من حيث إنه قاطِنٌ في دار الإِسلام، وفيه وجه: أنه لا قطْع عليه، كما لا قَطْع على الغني المُسْلِم، فإنه قد يُسْلم، وهذا ما ارتضاه صاحب "التهذيب" وقال: ينبغي ألا يكون إنفاق الإِمام عليه بشرط الضمان، قال: وهذا في مال المصالح، أما لو سرق مِنْ مال مَنْ لم يخلف وارثاً من المسلمين، فعليه القطْع؛ لأنه إرْثٌ للمسلمين خاصَّة، ولو كفِّن ميت من مال بيت المال، فَسَرَقَ ذلك الكفن نبَّاشٌ، تعلَّق به القطْع؛ لأنه انقطعَتِ الشركة عنْه لما صُرِف إلى تلْك الجهة، كما لو صرف إلى حَيٍّ.

الثالثة؛ عن نصِّه في القديم، ورواية الحارث بن سُرَيْج [النقال]: أنه يجب القطْع بسرقة ستْر الكعبة، إذا كان محرَّزاً بالخياطة عليه.

وفي كتاب القاضي ابن كج، مَعَ ذلك أن قوله الجديد والأصحّ: أنه لا قطْع بسرقته؛ لأن ليس له مالِكٌ مُعيَّن، فأشبه مال بيت المال، والذي أورده المُعْظَم الأول، وأخذُوا به، ولم يذكروا فيه خلافاً، وقالوا: إنه مال محرَّز، فأشبه سائر الأموال، وَرَوْوا أن عثمان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- سُرِقَ في عَهْده ثَوْبٌ من منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَقَطَعَ السَّارِقَ، ولم يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٢) ثُمَّ أَلْحَقُوا بِسِتْرِ الكَعْبَةِ باب المسجد وجذْعَه وتأزيره وسواريه، وأوجبوا القطْع بسرقتها ونفوه فيما يُفْرَش في المسجد من حصير وغيره، وفي القناديل المُسْرَجة، وفَرَقُوا بأن الفُرُش أُعِدَّت لينتفع بها الناسُ، والقناديل ليستضيئوا بها، والأبواب والسقوف لتحْصين المسجد وعمارته، لا للانتفاع، والقناديلُ التي لا تُسْرَج ولا يقْصَد منها إلا الزينة، كالأبواب [والسقوف، و] (٣) هذا ما أجاب به أكثرهم، ورأى الإِمام -رحمه الله- تخريجَ وجْهٍ في الأبواب والسقُوف؛ لأنها أجزاء المسْجِد، والمساجد يَشْتَرِك فيها المسلمون، ويتعلَّق بها حقوقُهم، فهي كمال بيت المال، وذكر في الحُصُر والقناديل ونحوها ثلاثة أوجُه:


(١) سقط في ز.
(٢) قال الحافظ في التلخيص: لم أجده عنه.
(٣) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>