للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداها: إذا سرق الضيْفُ من مال المُضِيفِ، نُظِر؛ إن سَرقَ من موضع هُوَ غير محرَّز عنه، لم يُقْطَعْ؛ لما روي عن جابر أنه رَجلاً أنزل ضيفاً في مشربة له فوجد متاعاً له قد أخفاه (١)، فأتى به أبا بكر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فقال: [خل] (٢) عنه فَلَيْسَ بِسَارِقٍ، إنما هي أمانةٌ، قد أخفاَها؛ وأيضَاً، فإنه غير محرَّز عنه، فأشبه الخيانة في الوديعة، وإن سَرَقَ مِنْ بيْت محرَّز عنه، قُطِع، وعن أبي حنيفة: أنه لا يُقْطَع.

لنا أنه سرق نصاباً من الحِرْز فأشبه غير الضيف، وعلى هذه الحالة حُمِل ما رُويَ أن رجلاً مقْطُوع اليد والرِّجْل قَدِمَ المدينة، ونزل بأبي بكر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَكَان يُكْثِر الصلاةَ في المَسْجِد، فقال أبو بكر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ما ليلك بِلَيْلِ سارقٍ، فلبثوا ما شاء الله، ففقدوا حُلِيّاً لهم، فجعل ذلك الرجُلُ يَدعو على مَنْ سَرق مِنْ أهل هذا البيت الصالح، فمر (٣) رجُلٌ بصائغ في المدينة، فرأى عنده حُلِيّاً، فقال: ما أشبه هذا بحلي آل أبي بَكر، فقال للصائغ ممن اشتريته، فقال: من ضيف أبي بكر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فأخذ ذلك الرجُل، فأقر فبكى (٤) أبو بكر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فقال أبْكي لعزته باللهِ، ثم أمر فقطعت يده.

الثانية: الجَار، إذا سَرَق مِنْ طَرَف حانوتِ الجارِ، [حيث يُحرَّز] (٥) بلحاظ الجيران، لم يلزمْه القطْع؛ لأنه محرَّز به لا عنه.

الثالثة: مَنْ دَخَلَ الحمَّام مستحماً، فسرق، لم يُقْطَع، وإن دخل سارقاً، وهناك حافظٌ [من الحمامي] أو غيره، قُطِع، وإن كان نائماً أو مُعْرِضاً، أو لم يكن هناك أحدٌ، فلا قَطْع، قال في "التهذيب" وغيره: إنما يجب القطْعُ بسرقة ثَوْبٍ منْ داخل الحمام، إذا استحفظ الحمامي [بحفظه]، فإن لم يستحفظه، فلا ضمان على الحمَّامي بترك الحفْظ، ولا قَطْع على مَنْ سرقه، كان استحفظْ، فتَرَكَ الحفْظ، فعليه الضمانُ، ولا قَطْع على السارق.

وإذا أذن صاحبُ الدكَّان في دخول الناس للشِّراء (٦)، من دخل مشترياً، وسرق، لم يُقْطع، ومن دخَل سارقاً، قُطِع، وإن لم يأذَنْ في الدخول، قُطِع مَنْ سَرَقَ منْه بكل حال.

قال الغَزَالِيُّ: (الرُّكْنُ الثَّالِثُ: السَّارِقُ) وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ والالْتِزَامُ فَلاَ قَطْعَ عَلَى الصَّبِيِّ والمَجْنُونِ، وَيَجِبُ عَلَى الذِّمِّي ثُمَّ يُسْتَوفَى قَهْراً لَوْ سَرَقَ مَالَ مُسْلِمٍ، وَإِنْ سَرَقَ مَالَ ذِمِّيٍّ فَإذَا تَرَافَعُوا، وَإِذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ رُجِمَ قَهْراً وَإِنْ كَانَ الحَدُّ للهِ تَعَالَى، أَمَّا المُعَاهَدُ


(١) في ز: اختانه.
(٢) سقط في ز.
(٣) في ز: فمن.
(٤) في ز: قبلي.
(٥) سقط في ز.
(٦) في ز: للشرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>