للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَثَلاثَةُ أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا): أنَّه كَالذِّمِّيِّ (وَالثَّانِي): لاَ يُقْطَعُ أَصْلاً (وَالثَّالِثُ): أَنَّهُ يُقْطَعُ إِنْ شُرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي العَهْدِ، وَلَوْ زَنَى بِمُسْلمَةٍ فَفِي الحَدِّ طَرِيقانِ قِيلَ كَالسَّرِقَةِ، وَقِيلَ: لاَ يُقَامُ قَطْعاً لِأَنَّهُ لاَ خُصُومَةَ لِلآدَمِيِّ فِيهِ، وَيَسْتَوِي فِي القَطْعِ المَرْأَةُ وَالرَّجُلُ وَالعَبْدُ وَالحُرُّ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وفيه مسألتان:

إحداهما: يُشْترط لوجوب القطْع: أن يكون السارقُ مكلَّفًا؛ فلا قطْع على الصبيِّ والمجنون، وقد رُوِيَ أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أُتِيَ بجَارِيَةٍ سَرَقَتْ، فَوَجَدَهَا لَمْ تَحِضْ، فَلَمْ يَقْطَعْهَا" (١) ويجيء في السكران الخلافُ المذَكورُ في غير موضع.

وأن يكون ملتزماً للأحكام؛ فيجب على المُسْلِم القطْعُ بسرقة مال المُسْلِمِ والذميِّ، وكذلك على الذميِّ لالتزامه الأحكام، وكذلك يُحدُّ الذميُّ، إذا زَنَى ثم في "التهذيب" وغيره: أنا، إذا قلْنا: يجب على حاكمنا أن يَحْكُم بيْنَهُم، أقام عليه الحدَّ والقَطْعَ، وإن لم يرض، وإنْ قلنا: لا يجب، فلا يُحدُّ ولا يُقْطَع، إلا برضاه سواءٌ كان المسروقُ منْه مسلماً أو ذميّاً، وإن كان يجبُ الحكْم بين المسلم والذميِّ بلا خلاف؛ لأن القطع حقُّ الله تعالى لا حق المسروق منه، وأشار الإِمام إلى القطْع فيما إذا سَرَقَ مال مسلم؛ بأنه يُقْطَعَ ولا يتوقَّف الأمرُ على رضَاه، وذكر أنه إذا سَرَقَ مال ذميٍّ، فإنما يُقْطَع، إذا ترافَعُوا إلَيْنَا، ويجيْء القولان في إجبار الممتنع، إذا جاءنا الخَصْم (٢)، وأنه إذا زَنَى بذمية فَعَلَى القولَيْن في أنَّا نحكم بينهم قَهْراً أو اختيارًا، وإذا زَنَى بمسلمة، ففي كلام الأصحاب أن الحدَّ على القَوْلين أيضاً، قال: وهذا غلَطٌ، والوجه القطْع بإقامة الحدِّ قهراً، وإن كان ذلك لله تعالى؛ لأنا لو فَوَّضْنَا الأَمْرَ إلى رضاه لَجَرَّ ذلك فَضِيحَةً عَظِيمَةً، وَغَايَتُنا أن نَحْكُمَ بِنَقْضِ العَهْدِ.

وإذا طَلَبَ تَجدِيداً، فلا بد من التَّجْدِيدِ، وكيف ما قدر، فالظَّاهِرُ أنه لا يعتبر الرِّضَا على الإِطْلاَقِ على ما تَبيَّنَ في "باب الزِّنَا"، وفي "كتاب النكاح".

وأما المُعَاهَدُ، ومن دَخَلَ بأَمَانٍ، فهل يُقْطَعُ إذا سَرَقَ؟

فيه ثلاثة أقوال:

أحدها -ويحكى عن سِيَر الأَوْزَاعِيِّ- نعم، كما يُقَامُ عليه القِصَاصُ وحَدُّ القَذْفِ، ولأنه في عَهْدِ، فأشبه الذِّمِّيَّ.


(١) قال الحافظ في التلخيص: هذا الحديث تبع المصنف في إيراده صاحب المهذب، فإنه ذكره وعزاه إلى رواية ابن مسعود، وإنما رواه البيهقي من حديث ابن مسعود موقوفاً عليه.
(٢) قال في الخادم: وليس فيه تصريح بترجيح، والراجح الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>