للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الْغَزَالِيُّ: وَيُغْمَسُ مَحَلُّ القَطْعِ فِي الزَّيْتِ المَغْلَّي لِتُحْسَمَ السِّرَايَةُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الحَدِّ بَل نَظَراً لِلمَقْطُوعِ وَعَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ، وإنْ رَأَى الإمَامُ عَلَّقَ يَدَهُ فِي رَقبَتِهِ ثَلاَثاً لِلتَّنْكِيلِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى يَدِهِ أصْبُعٌ زَائِدَةٌ قَطَعْنَاهَا، وَإِنْ كَانَت نَاقِصَةً أوْ شَلاَّءَ اكْتَفَينَا بِهَا مَا بَقِيَ أصْبُعٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكنْ إِلاَّ الكَفُّ فَهَلْ يُقْنَعُ بِهِ أَمْ يُعْدَلُ إِلَى الرِّجْلِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَمَنْ لاَ يَمِينَ لَهُ إِذَا سَرَقَ قُطِعَ رِجْلُهُ اليُسْرَى، وَإِنْ سَرَقَ فَسَقَطَ يُمْنَاهُ بِآفَةٍ سَقَطَ الحَدُّ، فَلَوْ بَادَرَ الجَلاَّدُ فَقَطَعَ اليَدَ اليُسْرَى عَمْداً فَعَلَيْهِ القِصَاصُ وَالحَدُّ بَاقٍ، وَإِنْ غَلِطَ سَقَطَ بِهِ الحَدُّ عَلَى قَوْلٍ، وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ وَبَقِيَ الحَدُّ عَلَى قَوْلٍ، وَلَوْ كَانَ عَلَى المِعْصَمِ كَفَّانِ قَطَعْنَا الأصْلِيَّةَ إِنْ أَمْكَنَ وَإلاَّ قَطَعْنَاهُمَا.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: في هذه البقية مسائل:

أحدها: يُحْسَم موضع القطع من اليد، والرجل، بأن يُغْمس في الزيت، أو الدهن المغلي؛ ليسد أفواه العروق، وينقطع الدم. وهل هو من حق الله تعالى [وتتمة] (١) الحد، أو هو حق المقطوع. ونظر له حكى الإِمام فيه اختلافاً عن الأصحاب.

[أحد الوجهين]: أنه من [تتمة] (٢) حق الله تعالى؛ لأن فيه مزيد (٣) إيلام، وما زال الولاة يفعلون ذلك على كراهة من المقطوعين، ولم يراعوا ذلك في قطع الأطراف قصاصاً.

وأصحهما: أنه حق المقطوع؛ لأن الغرض المعالجة، ودفع الهلاك عنه، ينزف [الدم] (٤). فإن قلنا بالأول، لم يتركه الإِمام.

وثمن الدهن، ومؤنات الحسم، كمؤنة [الجلاد] (٥)، وقد سبق الخلاف فيها. وإن قلنا بالأصح، فالمؤنة على المقطوع. ولو تركه (٦) السلطان فلا شيء عليه، وحينئذ [فيستحب] للسارق أن يَحْسَم، ولا يجب؛ لأن في الحسم ألماً شديداً. وقد يهلك الضعيف، والمداواة بمثل ذلك لا تجب بحال، وفيه وجه أن الإِمام يجبره عليه، ويُسْتَحَب أن يأمر السلطان بالحسم عقيب القطع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في سارق سرق: "اذْهَبواً بِهِ، فَاقْطَعُوا، ثُمَّ احْسِمُوه" (٧). وإنما يفعله بإذن السارق، ويجيء على الوجه الذي قيل: إنه [يجبره السلطان] (٨) عليه إذا تركه أن لا يحتاج إلى إذنه.


(١) سقط في ز.
(٢) سقط في ز.
(٣) في ز: مزيل.
(٤) في ز: الدماء.
(٥) في ز: الحداد.
(٦) في ز: نزل.
(٧) تقدم.
(٨) في أ: يجبر السارق.

<<  <  ج: ص:  >  >>