للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: من الأَصْحَابِ من يُخَصِّصُ لفظ التَّعْزِيرِ [بضرب] (١) الإِمام، أو نَائِبِهِ لِلتَّأْدِيبِ في غير الحُدُودِ، ويُسَمِّي ضَرْبَ الزوج زَوْجَتَهُ، والمُعَلِّمُ الصَّبِّيَّ تَأْدِيباً لا تعزيراً. ومنهم من يُطلِقُ اسْمَ التَّعْزِيرِ على ضَرْبِهِمْ جميعاً، وهو أشهر الاصْطِلاَحَيْنِ، والفصل يشتمل على مسألتين:

إحداهما: مُسْتَوْفِي التعزير على الاصطلاح.

وهو الإِمام والأب والسَّيِّدُ والزَّوْجُ.

أما الإِمام فله بالوِلاَيَةِ العامة إِقَامَةُ العقوبات حَدّاً وَتَعْزيراً، والأب يُؤَدِّبُ الصغير تَعْلِيماً وزَجْراً عن سَيئِ الأَخْلاَقِ، وكذلك يؤدّب المَعْتُوهُ (٢) بما يَضْبِطُهُ، ويُشْبِهُ أن تكون الأم ومَنِ الصَّبِي في كَفَالَتِهِ، كذلك، كما ذكرنا في تَعْلِيمِ أحكام الطهارة والصلاة، والأمر بها، والضَّرْب عليها أن الأمَّهَاتِ كالآبَاءِ. والمُعَلِّمُ يؤدب الصَّبِيَّ بإذن الوَلِيِّ، ونِيَابَته، والزَّوْجُ يُعزِّرُ زَوْجَتَهُ في النُّشُوزِ، وما يتعلَّق بحقه قال [الله] تعالى: {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: ٣٤] ولا يُعَزِّرُهَا فيما يَتَعَلَّقُ بحق الله -تعالى-. والسيد يُعَزِّرُ في حَقِّ نَفْسِهِ مَمْلُوكَهُ، فإن مِلْكَهُ وسَلْطَنَتَهُ فوق سَلْطَنَةِ الزَّوْجِ على زَوْجِتِهِ، وهل يُعَزِّرُ في حق الله تعالى؟ فيه وجهان، سَبَقَ ذِكْرُهُمَا في باب الزنا، والأظهر أنه يُعَزِّرُ، وبه أجاب في الكتاب هاهنا، وفي ذلك الباب.

الثانية: إذا أَفْضَى التَّعْزيرُ إلى الهَلاَكِ، وجب الضَّمَان على عَاقِلَةِ المعَزِّرِ؛ لأن المُعَزِّرَ مَأْمُورٌ أن يُؤَدِّبَ على شرط السَّلاَمَةِ، فإن المقصود التَّأْدِيبُ، دون الهلاك، فإذا ضرب وعنده أنه مُقْتَصِدٌ فحصل الهَلاَكُ بَانَ أنه جاوز الحَدَّ المَشْرُوعَ، وكان قَتْلُهُ شَبْه عَمْدٍ، فيجب الضَّمَانُ على عَاقِلَتِهِ، وإن كان الإسْرَافُ ظاهراً، وضربه بما يُقْصَدُ به القَتْلُ غالباً، فالذي أتى به عَمْدٌ مَحْضٌ -هكذا وَجَّهَ الإمَامُ.

وحكى [عن] (٣) المحققين بنَاءً على هذه القاعدة أن المُعَزِّرَ إذا عَلِمَ أن التَّأْدِيبَ لا يَحْصُلُ إلا بالضَّرْب المُبَرِّحِ، لم يكن له الضرب [لا المُبَرِّحُ] (٤) ولا غَيْرُهُ، أما المُبَرِّحُ، فلأنه مُهْلِكٌ، وليس له الإهْلاَكُ.

وأما غيره، فلأنه غير مُفِيدٍ، وإلى هذا يَرْجِعُ قوله في الكتاب: "فلو كانت المَرْأَةُ لا تترك النُّشُوز ... " إلى آخره. والذي أَطْلَقَهُ الإِمام يَقْتِضِي أن يكون ذِكْرُ الزوج جَارِياً على سبيل المِثَالِ، وسائر المُعَزِّرين في معناه، ويشبه أن يُبْنَى الأَمْرُ في حَقِّ الإِمام على أن أَصْلَ التعزير هل هو واجب عليه؟


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: المعتدة.
(٣) سقط في ز.
(٤) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>