للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسيأتي إن شاء الله -تعالى- إن أَوْجَبْنَاهُ الْتَحَقَ بالحَدِّ، وحينئذ فَيُشبِهُ أن يقال: يَضْرِبُهُ ضَرْباً [غير] (١) مُبَرِّحِ إِقَامَةً لصورة الوَاجِبِ، وإن لم يفد التَّأْدِيب.

ويجوز أن يُعْلَمَ قوله في الكتاب: فإن سَرَى ضَمِنَ عَاقِلَةُ المُعَزَّر بالحاء والميم والواو؛ لما سنذكر في أول كتاب مُوجِبَاتِ الضَّمَانِ، فإن المسألة مُعَادَةٌ هناك.

قال الغَزَالِيُّ: وَأَمَّا أَصْلُ الوُجُوبِ فَهُوَ إِلَى رَأْيِ الإِمَامِ وَقَدْ يَرَى الصَّوَابَ في العَفْوِ وَالاقْتِصَارِ عَلَى التَّوْبِيخِ بِالكلام فَلَهُ ذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا فِي حَقِّ الآدَمِيِّ فَلَيْسَ لَه الإِهْمَال مَعَ الطَّلَبِ وَلَكِنْ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الاقْتِصَارُ عَلَى التَّوْبِيخِ بِاللِّسَانِ دُونَ الضَّرْبِ؟ فيه وَجْهَانِ، وَلَوْ عَفَا المُسْتَحِقُّ لِلعُقُوبَةِ فَهَلْ للإمَامِ التَّعْزِيرُ لِحَقِّ اللهِ تَعَالَى؟ فِيهِ ثَلاَثةُ أَوْجُهٍ يُفَرَّق فِي الثَّالِثِ بَيْنَ العَفْوِ عَنِ الحَدِّ والتَّعْزِيرِ، لِأَنَّ أَصْلَ التَّعْزِيرِ مَنُوطٌ بِرَأْيِ الإِمَامِ فَيَجُوزُ أَنْ لاَ يَسْقُطَ بِعَفْوِ غَيْرِهِ بِخِلاَفِ الحَدِّ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الجِنَايَةُ المُتَعَلِّقَةُ بحق الله -تعالى- خَاصَّة، يجتهد الإمَامُ في تَعْزِيرِهَا بما يَرَاهُ من الضَّرْب، والحبس، والاقتصار على التَّوْبِيخِ بالكلام، فإن رَأى الصَّلاَحَ في العَفْوِ المُطْلَقِ، فلهَ ذلك. وعن أبي حَنِيْفَةَ: أن التَّعْزِيرَ وَاجِبٌ كالحد.

ومنهم من يُفَضِّلُ فيقول: إن غلب على ظَنِّ الإِمام أنه لا يُصْلِحُهُ إلا التَّعْزِيرُ، وجب التَّعْزِيرُ. واحتج الأصحاب بما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَقِيلُوا ذَوِي الهَيْئَاتِ عَثَراتِهِمْ إِلاَّ في الحُدُودِ" (٢)، وبأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أَعْرَضَ عن جماعة اسْتَحَقُّوا


(١) سقط في ز.
(٢) رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وابن عدي، والعقيلي من حديث عمرة عن عائشة وقال العقيلي: له طرق، وليس فيها شيء يثبت، وذكره ابن طاهر من رواية عبد الله بن هارون بن موسى القروي، عن القعنبي عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أنس، وقال: هو بهذا الإسناد باطل، والعمل فيه على الفروي، ورواه الشَّافعي وابن حبان في صحيحه، وابن عدي أيضاً والبيهقي من حديث عائشة، بلفظ: أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم، ولم يذكر ما بعده، قال الشَّافعي: وسمعت من أهل العلم من يعرف هذا الحديث، ويقول: يتجافى للرجل ذي الهيئة عن عثرته، ما لم يكن حداً، وقال عبد الحق: ذكره ابن عدي في باب واصل بن عبد الرحمن الرقاشي ولم يذكر له علة، قلت: وواصل هو أبو حرة ضعيف، وفي إسناد ابن حبان: أبو بكر بن نافع، وقد نص أبو زرعة على ضعفه في هذا الحديث، وفي الباب عن ابن عمر رواه الشيخ في كتاب الحدود، بإسناد ضعيف، وعن ابن مسعود رفعه: تجاوزوا عن ذنب السخي، فإن الله يأخذ بيده عند عثراته، رواه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف، قال الشَّافعي: وذووا الهيئات الذين يقالون عثراتهم، هم الذين ليسوا يعرفون بالشر، فيزل أحدهم الزلة وقال الماوردي في عثراتهم وجهان: أحدهما الصغائر. والثاني أول معصية زل فيها مطيع. قاله الحافظ في التلخيص.

<<  <  ج: ص:  >  >>