للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْطَانٌ" (١) وروى البخاري في "الصحيح" عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءِ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيطَانٌ" (٢).

قيل: معناه شيطان الإنس.

وقيل: معناه فإن معه شيطانًا، فإن الشيطان لا يجسر أن يمر بين يدي المصلي وحده، فإذا مر إنسي رافقه.

والمستحب للمصلي أن يكون بين يديه ستره من جدار، أو سارية أو غيرهما، ويدنو منها بحيث لا يزيد ما بينه وبينها على ثلاثة أذرع، وإن كان في الصحراء فينبغي أن يغرز عصا ونحوها، أو يجمع شيئاً من رحله ومتاعه، وليكن قدر مؤخرة الرحل، فإن لم يجد شيئاً شاخصاً خط بين يديه خطاً، أو بسط مصلَّى؛ لما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئاً؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبَّ عَصاً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصاً فَلْيَخُطَّ خَطًّا؛ ثُمَّ لاَ يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ" (٣) ثم إذا صلى إلى سترة كره لغيره أن يمر بينه وبين السترة، وهل هذه الكراهة للتحريم أو للتنزيه؟ الذي ذكره في "التهذيب" أنه لا يجوز المرور، وصاحب الكتاب أراد بقوله وهو تأكيد لكراهية المرور التنزيه؛ لأنه صرح في "الوسيط" بأن المرور ليس بمحزور، وإنما هو مكروه، وكذلك ذكره إمام الحرمين، والأول أظهر؛ لأنه صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال. "لَوْ يَعْلُمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ، لكَانَ أنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ" (٤).

والإثم إنما يلحق بالحرام، وليكن قوله: (بكراهية المرور) معلماً بالواو، لما ذكرناه، وذكر القاضي الروياني في "الكافي" أن للمصلي أن يدفعه، وله أن يضربه على ذلك، وإن أدى إلى قتله، وكل ذلك لا يكون إلا إذا حرم المرور، ولو لم يجعل بين يديه ستره؛ فهل له دفع المار؟ فيه وجهان حكاهما صاحب "النهاية" وغيره.


(١) متفق عليه من رواية أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- البخاري (٥٠٩، ٣٢٧٤) ومسلم (٥٠٥).
(٢) انظر التخريج السابق.
(٣) أخرجه أبو داود (٦٨٩)، وابن ماجة (٩٤٣) والهيثمي في الموارد (٤٠٧، ٤٠٨)، والبيهقي في السنن الكبرى (٢/ ٢٧٠ - ٢٧١) واختلف فيه فصححه أحمد، وعلي بن المديني والدارقطني في علله، وابن حبان وضعفه سفيان بن عيينه والبغوي وأشار إلى ذلك الشافعي وقال البيهقي: ولا بأس بالعمل به في الحكم المذكور إن شاء الله تعالى.
(٤) متفق عليه من رواية أبي الجهم الأنصاري البخاري (٥١٠) ومسلم (٥٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>