وعلى أبي حنيفة القياس على دعاء الاستفتاح، وسائر المسنونات، وكذلك عن أحمد.
وعلى مالك ما روي:"أَنَّ أنسًا جَهَرَ فِي الْعَصْرِ، فَلَمْ يُعِدْهَا، وَلَمْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ"(١).
فهذا هو الكلام في ترك المأمورات، ونعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب قوله:(وهي سُّنة) ينبغي أن يعلّم بالحاء والميم والألف، وكذا قوله:(وسائر السنن لا تجبر بالسجود) ولا بأس بإعلامه بالواو أيضاً؛ لما سبق حكايته، وليس المراد من قوله:(سنة عند ترك التشهد الأول ...) إلى آخرها تخصيص الاستحباب بترك هذه الأمور؛ لا بمعنى أنها لا تشرع إلا عند تركها، ولا بمعنى أن في سائر الأسباب تجب، بل حيث تشرع سُّنة، وأراد في هذا الفصل ذكر شيئين:
أحدهما: أن سجدة السهو سنة.
والثاني: أن الكلام فيما يقتضيها من ترك المأمورات، ثم وصل أحدهما بالآخر فقال: هي سنة عند كذا وكذا، وهذا بَيِّنٌ من كلامه في "الوسيط".
وقوله:"عند ترك التشهد" إلى قوله: (لا يجبر بالسجود) مذكورة في أول الباب الرابع؛ نعم زاد هاهنا ذكر الصلاة على الآل وما عداها مكرر، وأحقَ الموضعين بذكره هذا الباب.
وقوله:(إن رأيناهما سنتين) المقابل لهذا الرأي في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأول عدم الشرعية إيجاباً واستحباباً، وفي الصلاة على الآل في التشهد الثاني الإيجاب دون عدم الشرعية.
وقوله:(وأما الأركان فجبرها بالتدارك) فمعناه أنه لا بد من جبرها من التدارك؛ لأن كل الجبر يحصل به؛ لأنه قد يؤمر مع التدارك بسجود السهو على ما سيأتي بيانه.
وقوله:(لم يسجد على أظهر الوجهين) خلاف ما ذكره جمهور الأئمة، فإنهم حكوا أن الأظهر في المذهب أنه يسجد، منهم أصحابنا العراقيون، وصاحب "التهذيب"، وغيرهم، ومن الأئمة من لم يذكره سواه كالشيخ أبي حامد، والصيدلاني، وعبر بعضهم عن الخلاف في المسألة بالقولين، وجعل المنصوص أنه يسجد، والثاني من تخريج أبي إسحاق المروزي.