للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلْيَسْجُدْ عِنْدَ ارتِكَابِهِ سَهْوًا، وَمَوَاضِعُ السُّجُودِ سِتَّةٌ: (الأَوَّلُ) إِذَا قَرَأَ التَّشَهُّدَ أَوِ الْفَاتِحَةَ فِي الاعْتِدَالِ مِنَ الرُّكُوعِ عَمْدًا بَطُلَت صَلاتُهُ وَإِنْ سَهَا سَجَدَ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ تَطْوِيلِ رُكْنٍ قَصِيرٍ وَنَقْلِ رُكْنٍ، وَلَوْ وَجَدَ أَحَدَ المَعْنَييْنِ دُونَ الثَّانِي، فَفِي البُطْلاَنِ بِعَمْدِهِ وَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: لاَ تَبْطُلُ فَفِي السُّجُودِ بِسَهْوِهِ وَجْهَانِ، وَالأَظْهَرُ أَنَّ الجَلْسَةَ بَين السَّجْدَتَيْنِ رُكْنٌ طَوِيلٌ.

قال الرافعي: المقتضى الثاني لسجود السهو ارتكاب المنهي والمنهيات قسمان:

أحدها: ما لا تبطل الصلاة بعمده، كالالتفات والخطوة والخطوتين.

والثاني: ما تبطل بعمده نحو الكلام، والركوع الزائد، وما أشبه ذلك، فقال الأصحاب: ما لا تبطل الصلاة بعمده لا يقتضي السهو به السجود، وما تبطل الصلاة بعمده يقتضي سهوه السجود، أما الأول فلأن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فَعَلَ الْفِعْلَ الْيَسِيرَ فِي الصَّلاَةِ، وَرَخصَ فِيهِ، وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ، وَلاَ أَمَرَ بِهِ" (١).

وأما الثاني فلما روي أنه -صلى الله عليه وسلم-: "صَلَّى الظُّهْرِ خَمْساً، ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ" (٢) وقد ذكر الطرف الثاني في الكتاب صريحاً، وأشار به إلى الأول، ولا شك في جريان هذا الضابط من الطرفين في أغلب الصور، ومنهم من وفي بطرده على الإطلاق كما سنفصله.

والطرف الثاني المذكور في الكتاب، وهو أنَّ ما تَبْطُلُ الصَّلاَةُ بعمده يسجد عند ارتكابه سهواً يرد عليه شيئان:

أحدهما: أن الفعل الكثير سوى الأكثرون بين عمده، وسهوه في إبطال الصلاة كما سبق، فجلى ما ذكروه الفعل الكثير منهي عنه تبطل الصلاة بعمده، ولا يسجد عند سهوه، بل تبطل الصلاة أيضاً، وكذلك الأكل والكلام الكثير عمدهما يبطل الصلاة، وكذلك سهوهما في أصح الوجهين كما قدمنا.

والثاني: أنه لو أحدث عمداً بطلت صلاته، ولو أحدث سهوًا فكذلك تبطل، ولا يسجد للسهو، فأدرج صاحب "التهذيب" في هذا الضابط ما يخرج عنه الثاني فقال: ما يوجب عمده بطلان الصلاة يوجب سهوه سجود السهو إن لم تبطل الطهارة، وإذا أحدث فعمده وسهوه يستوي في إبطال الطهارة، وأما الأول فما احترز عنه، بل أدخل العمل في أمثلة، هذا الضابط، ولم يحسن فيه مع تسويته في فصل العمل بين العمد والسهو من كثيره، ولو قيل: ما تبطل الصَّلاة بعمده يسجد عند ارتكابه سهواً إذا لم


(١) متفق عليه البخاري (٥١٦، ٥٩٩٦) ومسلم ٥٤٣) ومن حديث أبي قتادة في حمله -صلى الله عليه وسلم- أمامة.
(٢) متفق عليه من رواية ابن مسعود -رضي الله عنه- البخاري (٤٠١)، ومسلم (٨٩/ ٥٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>