للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا قطع يدي إنسان ورِجْلَيْهِ، فارْتَدَّ المَجْرُوحُ، ومات، يجب أَرْشُ الجِرَاحَاتِ قال إمام الحَرَمَيْنِ: وقد ذَكَرْنَا فيما إذاً جَرَحَ مسلماً، فَارْتَدَّ، وعادَ إلى الإِسلام، ثم مَاتَ أن المَنْصُوصَ وُجُوبُ تَمَامِ الدِّيَةِ، وأنه خرج قول أنه يجب ثُلُثَا الدِّيَةِ، ويُهْدَرُ ثُلُثُهَا؛ تَوْزِيعاً على الأحوال.

وآخر أنه يجبُ نِصْفهَا تَوزِيعاً على العِصْمَةِ والإِهْدَارِ، فيجيء على التَّخْرِيجِ أن يُقَالَ هاهنا على القول الأولِ: الأقَلُّ من أَرْشِ الجراحةِ، ومن ثُلُثَي القِيمَةِ، أو نصفها، وأن يُقَال على الثاني: الوَاجِبُ ثُلُثَا القيمة، أو نِصْفُهَا، ثم قال: إن قُلْنَا: إن الوَاجِبَ أقلُّ الأَمْرَيْنِ.

فالنَّصُّ أنَّهُ مَصْرُوفٌ إلى وَرَثَتِهِ المستحق، وإن قُلْنَا: إِنَّ الوَاجِبَ القيمةُ، فَقَدْرُ الأَرْشِ مَصْرُوفٌ إليهم، فإن زادَ شَيْءٌ، فالزِّيَادَةُ للسيدِ والنَّصُّ في أموالِ من نَقَضَ العَهْدَ، واسترقّ، وماتَ رَقِيقاً أن تلك الأَمْوَالَ فَيْءٌ.

وقال الأصحابُ: في [المَسْأَلَتَيْنِ] (١) قَولاَن؛ بالنقل والتخريج:

أحدهما: أن الأَرْشَ في مسألة الجِرَاحَةِ والأموالِ المُودَعَةِ هاهنا فَيْءٌ؛ لأنَّها أَمْوَالٌ مُتَلَقَّاةٌ من كافرٍ بلا قِتَالٍ، ولا يمكنُ تَقْدِيرُ [الميراث] (٢)؛ لأنَّ الرَّقِيقَ لا يُورث، والتَّوْرِيثُ في حال الحَيَاةِ لا سَبِيلَ إليه.

والثاني: أنَّها تُصْرَفُ إلى الوَرَثَةِ؛ لأنَّ الأَمَانَ بَاقٍ فيها، وإذا لم ينحل الأَمَانُ لم يُمْكِنْ صَرْفُ المال إلى جِهَةِ الفَيْءِ، وأخص الناس به وَرَثَتُهُ، وإِذَا قيل به، فكيفَ سَبِيلهُ؟

فيه تَرَدُّدٌ للإمام، ويجوزُ أن يُقَالَ: يصرف إليهم إِرْثاً، وامْتِنَاعُ التوريثِ في الرقيق حكم شرعاً، والكُفَّارُ لا يَتَعَبَّدُونَ بِتَفَاصِيلِ الشَّرْعِ. ويجوزُ أنْ يُقَالَ: لا يُصْرَفُ إليهم إِرْثاً، ولكنَّهم أخصّ به، كما تَقُولُ فيمن بعضُه حرٌّ، وبعضه رَقِيقٌ، يصرف ما اكتسبَهُ ببعضِ الحُرِّ إلى مالك الرَّقِيقِ في بعضهِ؛ لأنَّهُ أَخَصُّ به.

وإذَا قيل بالتوريثِ، فيورثون إذا مات، أو يستند اسْتِحْقَاق الوَرَثَةِ إلى ما قبل جَرَيَانِ الرق؟ ذكَر فيه احتمالَيْنِ، وإذا قُلْنَا بالصَّرْفِ إلى الوَرَثَةِ، فلهم دُخُولُ دَارِ الإِسلام لِطَلَب ذلك المَالِ، وإنْ لمْ يعقد له أَمَانٌ، ويجيء فيه الوَجْهُ الذي ذَكَرْنَاهُ في صاحبِ المَالِ.

وأما لَفْظُ الكتاب؛ فقوله: "فيما خَلَّفه عندنا من وَدِيعَة ودَيْنٍ، فيهِ أربعةُ أوجه" جمع فيها بين الخِلاَفِ المذكور في حالة حَيَاتِهِ، والخِلاَف بعد مَوْتِهِ.

وقَوْلُهُ: "أحدهما: أنَّهُ فَيْءٌ" وهو الوجهُ الذَّاهِبُ إلى بُطْلاَنِ أَمَانِ المالِ [في


(١) في ز: المسلمين.
(٢) في ز: المعدات.

<<  <  ج: ص:  >  >>