للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُهَا: أن يَنْزَجِرَ بِزَجْرِ صَاحبِهِ، هكذا أَطْلَقَ أَكْثَرُهُمْ.

وقَال الإمامُ: يعتبر ذَلك في ابْتِدَاءِ الأَمْرِ، فأمَّا إذا انطلق واشْتَدَّ عَدْوُهُ وحدّثُهُ، فَفِي اعتبارِهِ وَجْهان:

الأَشْبَهُ: الاعتبار فإنَّ التأدُّب (١) به يظهر.

ووجهُ المَنْعِ أنَّه لا يَكَادُ يكف حينئذٍ.

والثاني: أن يَسْتَرْسِلَ بإرساله وإشارته، ومعنَاهُ: أنَّهُ إذا أغرى على الصيد هَاجَ.

والثالث: أَنْ يُمْسِكَ الصَّيْدَ ولا يأكلُ منه، وفي هذا اعْتِبَارُ وصفين:

أحدهما: أن يحفظَهُ، فلا يخليه، وعَبَّرَ عنه الشَّافِعِيُّ -رضي الله عنه- بقوله في صِفَةِ المُعَلِّمِ: "فإذا أخذ حبس".

والثاني: أَنَّهُ لا يَأْكُلُ منه، روي في الخبر: "فَإِنْ أَكَلَ فَإنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ" (٢).

وعن مالكٍ: أنْ تَرْكَ الأَكْلِ ليس بشرطٍ، ويذكر أن أبَا يَعْقُوبَ الأبيورديِّ حكى في الشَّرْح قَوْلاً مِثْلَهُ. وفي كتاب القاضِي ابن كَجٍّ نحواً منه، والمَذْهَبُ الأَوَّلُ. هذَا حكمُ الكلبِ وما في معناه من جَوَارَحِ السِّبَاعِ.

وذكرَ الإمَامُ أنَّ ظَاهِرَ المذهب أنَّه ينبغي أن يَنْطَلِقَ بإطلاق صاحبه، وأَنَّهُ لو انْطَلَقَ بنفسه لم يكُنْ مُعَلماً، ورآه مُشْكلاً من جِهَةِ أنَ الكَلْبَ على أي صفةٍ فرض إِذَا رَأَى صَيْداً بالقُرْب منه، وهو على كَلَب الجُوع يبعد تصوير انْكِفَافِهِ، وهَذَا أَمْرُ خَارجٌ عن الأمورِ الثلاثةِ. وأمَّا جوارحُ الطيورِ، فيُشترط فيها أن تَهيجَ عند الاغْرَاء وهل يُشْتَرَطُ أن نترك الأَكْلَ؟ فيه قولانِ، حَكَاهُمَا الصيدلانيُّ وغيره.

أظهرهما: نعم كما في جوارح السباع.

والثاني: المَنْعُ، وبه قَالَ أبو حَنِيْفَةَ، والمزني: أنَّهُ لا يمكنُ التَّحَامُلُ عليها، والكلبُ إنَما يَنْكَفُّ عن الأكلِ بالضَّرْب، وقد قيل: إنَّ سَبيل تعليم الطيورُ إطْمَاعها في الإِطْعَام مما يُصْطَادُ.

قال الإِمام: ولا يطمع في انزجارها بعد الطَّيَرَانِ، ويبعد أيضاً اشتراط [انْكِفَافِهَا] (٣) في أول الأمرِ، وقد لاح لها الصَّيْدُ، وهي جائعةٌ. ثم في الفصل صور.

إحداها: الأمور المعتبرةُ في التَّعْلِيمِ لا بدَ وأنْ تَتَكَرَّرَ مَرَّةً بعدَ مرة؛ ليغلبَ على


(١) في ز: التأديب.
(٢) في ز: لنفسه.
(٣) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>