للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظن تَأدُّب الجارحة، ولم يُقَدِّرْ مُعْظَمُ الأصحاب عَدَدَ المَرَّاتِ، وكأنهم رأوا العُرْفَ مضطرباً، وطباع الجوارحِ مختلفةً، والرُّجُوعُ في البَاب إلى أَهْلِ الخِبْرَةِ بِطِبَاعِ الجوارحِ.

وفيه وَجْهٌ: أنَّهُ يكفي التَّكْرَرُ مرتين؛ لأنَّ العادَةَ تثبت بهما، ويروى هذا عن أبي حَنِيْفَةَ وأحمدَ وفي "شرحِ المُوَفَّق بن طاهِر" وجهٌ: أنَّهُ يعتبر ثلاث مَرَّات، ويقرب من هذا قَوْلُ صاحبِ "التهذيب" (١) أنَّ أقَلَّهُ ثلاث مراتٍ [فإن تكرر ثلاث مرات] (٢) حَلَّ ما قتل في الرَّابِعَةِ، وظَاهِرُ لفظ الكتاب حيث قال: "مِرَاراً" يُوَافقُه.

الثانية: إذَا ظَهَرَ كَوْنُ الكَلْب معلَّماً، ثم أكل مَرَّةَ من لَحْمِ الصيدِ، إما قبل أن قتله، أو بَعْدَهُ، فهل يَحِلُّ ذلك الصيدُ؟

فيه قولان:

القديم، وأحد قولي الجديد: نعم، وبه قال مالكٌ؛ لما رُوِي عن أبي ثَعْلَبَةَ الخشني -رضي الله عنه- أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا أَرْسَلتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ، وَذكَرْتَ اسْمَ اللهِ تَعَالَى فَكُلْ" قال: وإن قَتَلَ، قال؛ "وَإنْ قَتَل". قال: وإنْ أَكَلَ قال:"وَإِنْ أَكَل"؛ ولأنَّ الأَصْلَ بَقَاؤُهُ على التَّأَدُّبِ، والأكلُ يحتمل أنْ يَكُونَ لشدة جوعٍ، أو غَيْظٍ على الصيدِ، إذا أتعبه.

والأَصَحُّ هو الثاني من قولي الجديد، وبه قال أَبُو حَنِيفَة وأحمد أنَّهُ يحرمُ؛ لما روي عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذَاً أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ [وَسَمَّيْتَ] (٣) فَأَمْسَكَ وَقَتَل فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ".

وأيضاً فإن ما كانَ شَرْطاً للحلِّ في الابتداء، وجبَ أن يَكُونَ شرطاً في الدوام، كإرسالِ الكلب، فإنّه لو استرسل [بنفسه في الدوام لم يحل الصيد كما لو استرسل] (٤) في الابتداء بنفسه.

قال الإِمَامُ: وَدِدْتُ لو فَصَّلَ فَاصِلٌ، بين أن ينكفَّ زماناً، ثم يأكل، وبَيْنَ أنْ يَأْكل كما أخذ، وإن الزَّمَانَ إذَا تَمَادَى يُعَدّ انْكِفَافاً لِلْكَلْب، ولم يتعرضُوا لهُ (٥).

وإذَا قلنَا: بالتحريم فلا بد من استئناف التعليم، ولا يَنْعَطِفُ التَّحْرِيمُ على ما اصْطَادَهُ من قبلُ؛ خلافاً لأبي حنيفة، حيث قال: يحرمُ الكُلُّ، واحتجّ الشَّيْخُ أبُو حامد


(١) في ز: التقريب.
(٢) سقط في ز.
(٣) سقط في ز.
(٤) سقط في ز.
(٥) قال النووي: فصّل الجرجاني وغيره فقالوا: إن أكل عقيب القتل، ففيه القولان، وإلا، فيحل قطعاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>