للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمذهب بأنَّ الحلَّ يَتَعَلَّقُ بصفاتِ في الصَّائِدِ، وصفاتِ في الجارحةِ، ثم لو تغيرت صفة الصائد، بأنْ ارْتَدَّ لم يحرم ما اصْطَادَهُ من قبل، وكذلكَ إذا تَغَيَّرَت صِفَةُ الجَارِحَةِ، ولو تَكَرَّرَ منهُ الأكل، وصارَ عَادَةً له، فلا خِلاَفَ في تحريمِ الصيدِ الذي أَكَلَ منهُ، وفي الصيودِ التي أكل منها من قَبْلُ وَجْهان، لكنَّ اعتياد الأكلِ يُوهِمُ خروجه عن كونهِ مُعَلَّماً من أول مَا أَكل، وقد يُرَجَّحُ المَنْعُ تَغْلِيباً للتحريم في مواضِع التردد، ثم يصيرُ الأَكْلُ عَادَةً لهُ.

قال في "التهذيبِ": إذَا أَكَلَ من الصَّيْدِ ثانياً حُرِّمَ الصَّيْدُ الثاني، وفي الأول وجهان.

وإذَا أَكَلَ من الثَّالِث حُرِّمَ الثالثُ، وفيما قَبْلَهُ وجهان، وهذا (١) ذَهَابٌ إلى أنَّ الأكْلَ مَرَّتَيْن يخرجه عن كونهِ مُعَلّماً، وقد ذَكَرْنَا خلافاً في تَكَرُّرِ الصفاتِ التي يَصِيرُ بها مُعَلَّماً، ويجوزُ أن يفترَّق بينهما، بأنَّ أقر التَّعْلِيم في الحِلّ، وأثَر الأكلِ في التحريم، فيجري فيه على قَضِيَّة الاحتياط، وكذلكَ إذا عُرِف كونُهُ مُعَلَّماً، لم ينعطف الحِلّ علَى ما سبقَ، بلا خلاف، وفي انعطاف التحريمِ الخلافِ الذي بَيَّنَّاهُ.

ولَعْقُ الدَّمِ لا يَضُرُّ، ولا يُخْرِجُ الكَلْبَ عن كونه مُعَلَّماً؛ لأنَّهُ لم (٢) يتناول ما هو مَقْصُودُ الصَّائِدِ، وأشار الإِمام إلى وجهٍ آخر ضَعيفٌ.

ولو أَكَلَ حَشْوَة الصَّيْد، ففيه طريقان:

أشبههما: أن في تحريمِ الصيد القولين المَذْكُورَيْنِ في اللَّحْم.

والثاني: القَطْعُ بالحلِ؛ لأنَّهُ يلقى غَالِباً، ولا يقصد كالدَّمِ.

ولو لم يسترسل عند الاسْتِرْسَالِ، أو لم يَنْزَجِرْ عند الزَّجْرِ، فينبغي أنْ يَكُونَ في تحريم الصَّيْدِ، وخروجهِ عن كونهِ مُعَلَّماً الخِلاَفُ المذكورُ في الأَكْلِ؛ لأنَّ كل واحدٍ من الخصَالِ المذكورةِ ركن في التعليم. وعن القَفَّالِ: أنَّه إذَا أرادَ [الصَّائِدُ] (٣) أخذ الصيد منه، فَامْتَنع وصارَ يُقَتِلُ دُونه -فهو كَمَا لَوْ أكل. وجوارحُ الطيورِ إذَا أكلت من الصَّيْدِ، وفرَّعنا على اشتراطِ تركِ الأكلِ منَّها ففِي حلِّه طريقان.

أَحدُهما: القطعُ بالحِلِّ، وبه قال أبُو حَنِيْفَةَ، واختارَه المُزَنِيُّ؛ لأنَّ الطيورَ تعلَّمُ بالإطعامِ والإطماع في الصيد، فأكلُها لا يدُلُّ على أنه ليسَتْ بِمُعَلَّمة؛ ولأنَّ الكلبَ يُضْرَبُ، ويُمْنَع بالضرب عَنِ الأَكْلِ. والطيورُ لا تحتَمِلُ الضربَ، وأَصَحُّهُمَا: طردُ القَوْلَيْنِ، وقد رُوِيَ في حديث عَدِيّ -رضي الله عنه- "ما عَلَّمْتَ مِنْ كَلْبٍ، أَو بَاذِيّ،


(١) في أ: فهذا.
(٢) في ز: لا.
(٣) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>