للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اِحْدَاهُما: إذَا أرسَلَ سَهْماً في الهواءِ أو في فَضَاءٍ من الأَرض لاختبار قُوَّتِه أو رَمَى إلى هَدَف فاعترض صَيْداً؛ فأصابه، وقتله، وكان لا يرجُو صَيْداً، بَلْ لاَ، يخطر له الصيدُ ففي حِلِّه وَجْهانِ:

أَحَدهُمَا: وبه قال أَبُو إِسْحَاقَ يحلُّ؛ لأنَّه وُجِدَ قصدُ الفعلِ والاعتبارُ بهِ لا بمورد الفعل وما يتعلق به من ظنٍّ، ولذلك لو قطَع ما ظنَّه ثَوْباً فإذا هو حَلْقُ شاةٍ -يحلُّ على ما سنذكره.

وأَصَحُّهما: وهو المذكورُ في الكتاب، والمنصوصُ: المنْعُ؛ لأنَّه لم يَقْصِدِ الصَّيْدَ لا مُعَيِناً ولا مُبْهماً وقد شبه ذلك بما إذا وقعَ في الشَّبَكة صَيْدٌ، وتعثَّر بحدِيدةٍ منها.

ويفرَّقُ بينُه وبين قَطْع ما ظَنَّه ثوباً بإن هناك قد قصد عيناً ويجري الخلافُ فيمَا إذَا كان يرمي ذلك الصيْدَ، لكَنَّهُ يرمي إلى هَدَفٍ أو ذِئْبٍ، ولا يقصد، فأَصابه، ولو كانَ يُجِيلُ سيْفَه فأصابَ عُنق شَاةٍ، وقطع الحُلْقُومَ والمرِّيء من غيرِ شُعورٍ بالحلِ، فالذي حكاهُ الإمامُ وغيرُهُ: أنَّ الشَاة مَيْتَةٌ، وقد يَجيءُ فيه الخِلافُ المذكورُ في إرسالِ السَّهْمِ وإصابةِ الصَّيْدِ، والقولُ المنقولُ؛ فِيمَا إِذَا وقَعَ السكِّينُ مِنْ يده.

ولو أَرسَل كلباً حيثُ لا صَيْدَ أو اعترضَ صَيْداً فقَتَله -لم يحلَّ، وفي "الكَافِي" للرُّوَيانِي، وغَيْرِه: أنَّ فيه وَجْهاً آخرَ كما في السَّهْم، ويفرق بينهما بأنَّ الرَّمْي فعلُهُ المتولد من أقربُ إلى الانْتِساب إليه مما يفعلُه الكلْبُ؛ فإنه حيوانٌ ذو اخْتِيارٍ وسيعودُ هذا الفرقُ في صُورةٍ تأتي.

الثَّانِيَةُ: لو رَمَى إلى ما ظنَّهُ حَجَراً، أو جُرْثُومَةً، وكان صَيْداً فقتَله فهو حَلالٌ، وكذا لو ظنّه صَيْداً غَيْرَ مَأْكُولٍ فكانَ مَأْكُولاً؛ لأنَّه قصَدَ عينَهُ. لكن ظَنَّهُ على خلافٌ ما هو عليه. قِيسَ (١) ذلكَ بما إذا كانَت له شَاتَانِ فذبَح إِحْدَاهُمَا، وهو يظنُّها الأُخْرَى وفي "التهذيبِ" وغَيْرِهِ وَجْهٌ: أنَّه لا يحلُ؛ لأنَّه لم يقصَد الصيدَ وبه قال مَالِكٌ، ووجهُ المذهبِ الظاهِرُ بالخبرِ وهُوَ ما رُوِيَ أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "كُلْ مَا رَدَّ عَلَيْكَ قَوْسُكَ" (٢) وبعبارَتَيْنِ:

إحدَاهُمَا: أنَّه حصل رامياً إلى صيدٍ عن قَصْدٍ منهُ إِلَيْه، وإنَّما فقد علمه بحالِه.

والثَّانِيَةُ: قال أبو إسحاقَ: حصل قَتلُ الصيدِ بفعلهِ الذي قصدَه، وإنَّما فعلَ ما اعتَقَدهُ، وبُنِيَ على العبارتَيْن الخلافُ السابقُ فِيمَا إذا أرسَلَ سَهْماً في الهواءِ؛ فأصابَ صَيْداً فقتَلَه، فعلى العبارة الأُولَى: لاَ يَحِلَّ؛ لأنَّه [ليس قاصِداً إليه، وعلى عبارة أَبِي


(١) في ز: وقياس.
(٢) أبو داود [٢٨٥٦] من حديث أبي ثعلبة، ورواه أحمد من حديث عقبة بن عامر، وحذيفة بن اليمان مثله، وفيهما ابن لهيعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>